الخطأ الفادح قياس بنية لغة على بنية لغة أخرى، هذا مرفوض بالنسبة لكل اللغات، ولو كان للنقاش والمقارنة مكان هنا لذكرت كثيرا من الظواهر فى بعض اللغات الأخرى مما يمكن الجدل حول جدواها، لكن ليس هذا هو المكان المناسب.

وإنما أقول لأصحاب هذه الأفكار ممّن أصابتهم عقدة الخواجة: إننى على يقين من أنه لو كان الأمر بالعكس، أى لو كان الإعراب وعلامة التأنيث- أقصد نون النسوة- والتثنية والجملة الفعلية موجودة فى بعض اللغات الأخرى دون العربية لأصبح الموقف- فى تصورى- مختلفا ولوقفتم تهاجمون العربية لخلوها من هذه الظواهر، التى كانت ستكون عندئذ خصائص تدل على رقى اللغة التى توجد فيها ودقتها وحرصها على التفريق بين النوعين وعلى إبراز الفارق المعنوى بين الجملة الفعلية والإسمية..

إلخ.

هذه- أيها السادة- هى الحقيقة: إننا نأتمر- ربما لا شعوريا- بأوامر من خارجنا، أوامر- قد لا نكون على وعى بها- تجعلنا عبيدا للإحساس بالدونية، ومن ثم للتقليد، وإلا فلو كان الأمر أمر صلاحية للاستمرار لوجبت التحية لتلك اللغة التى ضربت الرقم القياسى فى طول عمرها بين اللغات الحية، ولعد طول العمر هنا دليلا على الحيوية والمرونة والقابلية للتطور، لا مظهر عجز وشيخوخة لا وجود لهما إلا فى أذهان القائلين بهما.

معذرة- عزيزى القارئ- إذا كنت قد أقحمت عليك هذا الموضوع.. وإنما جر إليه التداعى.. التداعى بالتناقض بين جمال العربية التى كتب بها الرجل الغريب عنها، الأستاذ (ج. هيورث. دن) وهو يقدم تحقيقه لكتاب (الأوراق) للصولى، وركاكة اللغة التى يتحدث بها- متباهين- بعض أبنائها، مضيفين إلى ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015