وقال: إن رأيت تأذن لى فأنصرف إلي أبوي فعلت. قال فاغرو رقت عينا الفتى، ثم قال: ائتني بدواة وقرطاس، فأتاه بهما فقعد حجزة «1» فكتب رقعة، ثم عاد الي مجاسه ثم قال للغلام انصرف الى وقت رجوعي اليك فبينا نحن كذلك إذ جاء رجل يستأذن على الفضل، فقام اليه الفتى فقال: توصل رقعتى هذه الي الأمير؟ قال: وما في رقعتك؟ قال: أمدح نفسى وأحثّ الأمير على قبولي، قال: هذه حاجة لك دون الأمير، فان رأيت أن تعفينى فعلت، قال قد فعلت. فعاد الى مجلسه فخرج الحاجب فقام إليه، فقال له مثل مقالته الأولى، فاستظرفه الحاجب، وقال: إن رجلا يتّصل بمثل الفضل يمدح نفسه لا يمدح الفضل عجيب. فأخذ منه الرقعة ثم دخل فلوّحها للفضل فقرأ منها سطرين وهو مستلق على فراشه، ثم استوى قاعدا وتناول الرقعة فقرأها، فلما فرغ من الرقعة قال للحاجب: أين صاحب الرقعة؟ قال: أعز الله الأمير، لا والله لا أعرفه لكثرة من الباب. فقال الفضل أنا أنبذه لك الساعة، يا غلام! اصمد القصر فناد: أين مادح نفسه؟ فقام الغلام فصاح، فقام الفتي من بيننا بغير رداء ولا حذاء، فلما مثل بين يدي الفضل قال له: أنت القائل ما فيها؟ قال نعم! قال أنشدنى فأنشأ الفتى يقول:
أنا من بغية الأمير وكنز ... من كنوز الأمير ذو أرباح
كاتب حاسب خطيب بليغ ... ناصح زائد على النّصاح
شاعر مفلق أخف من ال ... ريشة مما يكون تحت الجناح
ثم أروي عن ابن هرمة لل ... ناس بشعر محبّر الايضاح