أقول: لكعب ترجمة في تهذيب التهذيب، وليس فيها عن أحد من المتقدمين توثيقه، إنما فيها ثناء بعض الصحابة عليه بالعلم، وكان المزي علم عليه علامة الشيخين مع أنه إنما جرى ذكره في الصحيحين عرضاً لم يسند من طريقه شيء من الحديث فيهما. ولا أعرف له رواية يحتاج إليها أهل العلم ... فأما ما كان يحكيه عن الكتب القديمة فليس بحجة عند أحد من المسلمين، وإن حكاه بعض السلف لمناسبته عنده لما ذكر في القرآن، وبعد فليس كل ما نسب إلى كعب في الكتب بثابت عنه، فإن الكذابين من بعده قد نسبوا إليه أشياء كثيرة لم يقلها.
وما صح عنه من الأقوال ولم يوجد في كتب أهل الكتاب الآن ليس بحجة واضحة على كذبه. فإن كثيراً من كتبهم انقرضت نسخها ثم لم يزالوا يحرفون ويبدلون، وممن ذكر ذلك السيد رشيد رضا في مواضع من التفسير وغيره. واتهامه بالاشتراك في المؤامرة على قتل عمر لا يثبت، وكعب عربي النسب، وإن كان قبل أن يسلم يهودي النحلة. وقول أبي رية «فاستصفاه معاوية وجعله من مستشاريه» من عندياته، والذي عند ابن سعد وغيره أنه سكن حمص حتى مات بها سنة 32، وذكر أبو رية في الحاشية «قال لقيس بن خرشة، ما من الأرض شبر ... »
أقول: هذه الحكاية منقطعة حاكيها عن كعب ولد بعده بنحو عشرين سنة وأول الحكاية أن كعبا مر بصفين فوقف ساعة ثم قال «لا إله إلا الله، ليهراقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة في الأرض ... » وكان ذلك قبل وقع صفين بسنتين، فهل يصدق أبو رية ها كما صدق بقية الحكاية؟ على أن فيها غريبة أخرى لا أراه يصدق بها.
قال (ص112) «افتجر هذا الكاهن لاسلامه سبباً عجيباً ... قد أخرج ابن سعد بسند صحيح ... فقال: إن أبي كتب لي كتاباً من التواراة ... وختم على سائر كتبه ... ففتحتها فإذا صفة محمد وأمته، فجئت الآن مسلماً»
أقول: أما السند فليس بصحيح، فيه علي بن زيد وهو كما قال ابن حجر