محققوهم في العناية بالحديث عند التصحيح، فلا يصححون ما عرفوا له علة
نعم قد يذكرون في المتابعات والشواهد ما وقعت فيه مخالفة ما وينبهون عليه، من تدبر هذا ولم يعمه الهوى اطمأن قلبه بوفاء الله تعالى بما تكفل به من حفظ دينه، وبتوفيقه علماء الأمة للقيام بذلك، ولله الحمد، ويؤكد ذلك أن أبا رية حاول أن يقدم شواهد على اختلاف ضار وقع بسبب الرواية فكان أقصى جهده ما يأتي:
قال (ص6) : «صيغ التشهدات» ، وذكر اختلافها.
أقول: يتوهم أبو رية - أو يوهم - أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما علمهم تشهداً واحداً، ولكنهم أو بعضهم لم يحفظوه فأتوا بألفاظ من عندهم مع نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا باطل قطعاً فإن التشهد يكرر كل يوم بضع عشرة مرة على الأقل في الفريضة والنافلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحفظ أحدهم حتى يحفظ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقريء الرجلين السورة الواحدة هذا بحرف وهذا بآخر، فكذلك علمهم مقدمة التشهد بألفاظ متعددة، هذا بلفظ وهذا بآخر، ولهذا أجمع أهل العلم على صحة التشهد بكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ذكر عمر التشهد على المنبر، وسكوت الحاضرين فإنما وجهه المعقول تسليمهم أن التشهد الذي ذكره صحيح مجزيء. وقد كان عمر يقرأ في الصلاة وغيرها القرآن ولا يرد عليه أحد، مع أن كثيراً منهم تلقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم بحرف غير الحرف الذي تلقى به عمر، ومثل هذا كثير. ومن الجائز أن يكونوا - أو بعضهم - لم يعرفوا اللفظ الذي ذكره عمر، ولكنهم قد عرفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أصحابه بألفاظ مختلفة وعمر عندهم ثقة، وأما قول بعضهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم «السلام على النبي، بدل «السلام عليك أيها النبي» فقد يكون النبي صلى الله عليه وسلم خيره بين اللفظين، وقد يكون فعل ذلك باجتهاد خشية أن يتوهم جاهل أن الخطاب على حقيقته، أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فالتحقيق أنها موجودة في التشهدات كلها بلفظ «ورحمة الله»
والقائل بوجوبها عقب التشهد بلفظ الصلاة لم يجعلها من التشهد بل هي عنده أمر مستقل، والكلام في ذلك معروف،