أقول: هذه حكاية من يأخذ الكلمات من هنا وهناك، ويقيس بذهنه بدون خبره بالواقع، فإن كثيراً من الأحاديث الصحيحة إن لم نقل غالبها يأتي الحديث منها عن صحابيين أو أكثر، وكثيراً ما يتعدد الرواة عن الصحابي ثم عن التابعي، وهلم جرا
فأما الصحابة فقد تقدم حالهم
وأما التابعون فقد يتحفظون الحديث كما يتحفظون القرآن كماجاء عن قتادة أنه «كان إذا سمع الحديث أخذه العويل والزويل حتى يحفظه» هذا مع قوة حفظه، ذكروا أن صحيفة جابر على كبرها قرئت عليه مرة واحدة- وكان أعمى – فحفظها بحروفها، حتى قرأ مرة سورة البقرة فلم يخطيء حرفاً ثم قال: لأنا الصحيفة جابر أحفظ مني لسورة البقرة» وكان غالبهم يكتبون ثم يتحفظون ما كتبوه، ثم منهم من يبقى كتبه- راجع ص28 – ومنهم من إذا أتقن المكتوب حفظاً محا الكتاب، وهؤلاء ونفر لم يكونوا يكتبون، غالبهم ممن رزقوا جودة الحفظ وقوة الذاكرة كالشعبي والزهري وقتادة. وقد عرف منهم جماعة بالتزام رواية الحديث بتمام لفظه كالقاسم بن محمد بن أبي بكر ومحمد بن سيرين ورجاء بن حيوة.
أما أتباع التابعين فلم يكن فيهم راو مكثر إلا كان عنده كتب بمسموعاته يراجعها ويتعاهدها ويتحفظ حديثه منها. ثم منهم من لم يكن يحفظ، وإنما يحدث من كتابه، ومنهم من جرب عليه الأئمة أنه يحدث من حفظه فيخطيء، فاشترطولصحة روايته أن يكون السماع منه من كتابه. ومنهم من عرف الأئمة أنه حافظ، غير أنه قد يقدم كلمة أو يؤخرها، ونحو ذلك مما عرفوا أنه لا يغير المعنى، فيوثقونه ويبينون أن السماع منه من كتابه أثبت.
فأما من بعدهم فكان المتثبتون لا يكادون يسمعون من الرجل إلا من أصل كتابه. كان عبد الرزاق الصنعاني ثقة حافظاً، ومع ذلك لم يسمع منه أحد بن