يتلقيا من الأحاديث أكثر مما تلقاه المشتغلون بالتجارة والزراعة، على أن أبا هريرة لحرصه على العلم تلقي ممن سبقه إلى الصحابة ما عندهم من الأحاديث، فربما رواها عنهم وربما قال فيها «النبي صلى الله عليه وسلم ... » كما شاركه غيره منهم في مثل هذا الأرسال لكمال وثوق بعضهم ببعض، وقد ثبت أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أسعد الناس بشفاعته يوم القيامة فقال «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، ... » أخرجه البخاري في صحيحه، تأتي أخباراً كثيرة لاثبات هذا المعنى، وأما الأداء فإنما عاش أبو بكر زمن الأداء نحو سنتين مشغولاً عند المسلمين بتدبير أمور المسلمين، وعاش عمر مدة أبي بكر مشغولاً بالوزارة والتجارة، وبعده مشغولاً بتدبير أمور المسلمين. وفي المستدرك 98:1 أن معاذ بن جبل أوصى أصحابه أن يطلبوا العلم وسمى لهم أبا الدرداء وسلمان وابن مسعود وعبد الله بن سلام، فقال يزيد بن عميرة: وعند عمر بن الخطاب؟ فقال معاذ «لا تسأله عن شيء، فإنه عنك مشغول» وعشا عثمان
وعلي مشغولين بالوزارة وغيرهما ثم الخلافة / ومصارعة الفتن، وكان الراغبون في طب العلم يتهيبون هؤلاء ونظراءهم، ويرون أن جميع الصحابة ثقات أمناء، فيكتفون بن دون أولئك وكان هؤلاء الأكابر يرون أنه لا يتحم عليهم التبليغ إلا عندما تدعوا الحاجة، ويرون أنه إذا جرى العلم على ذلك فلين يضيع شيء من السنة، لأن الصحابة كثير، ومدة بقائهم ستطول، وعروض المناسبات التي تدعوا الحاجة فيها إلى التبليغ كثير، وفوق ذلك فقد تكفل الله عز وجل بحفظ شريعته، وكانوا مع ذلك يشددون على أنفسهم خشية الغلط، ويرون أنه إذا كان من أحد منهم خطأ وقت وجوب التبليغ فهو معذور قطعاً، بخلاف من حدثوا قبل الحاجة فأخطأ، وكانوا مع ذلك يحبون أن يكفيهم غيرهم، ومع هذا فقد حدثوا بأحاديث عديدة، وبلغهم عن بعض أنه يكثر من التحديث فلم يزعموا أنه أتى منكراً، وإنما حكى عن بعضهم ما يدل أنه يرى الإكثار خلاف