وَقِيلَ: يَحْلِفُ الْحَاكِمُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: نَزَّلَ أَصْحَابُنَا نُكُولَهُ مَنْزِلَةً بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ. فَقَالُوا: لَا يُقْضَى بِهِ فِي قَوْدٍ وَحَدٍّ. وَحَكَمُوا بِهِ فِي حَقِّ مَرِيضٍ وَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ مَأْذُونٍ لَهُمَا. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ فِي الْقَسَامَةِ: مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ بِالدِّيَةِ: فَفِي مَالِهِ. لِأَنَّهُ كَإِقْرَارِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَامِعِ. لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَحْلِفُ ابْتِدَاءً مَعَ اللَّوْثِ. وَأَنَّ الدَّعْوَى فِي التُّهْمَةِ كَسَرِقَةٍ، يُعَاقَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْفَاجِرُ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ. وَيُحْبَسُ الْمَسْتُورُ، لِيَبِينَ أَمْرُهُ وَلَوْ ثَلَاثًا، عَلَى وَجْهَيْنِ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُحَقِّقُو أَصْحَابِهِ عَلَى حَبْسِهِ. وَقَالَ: إنَّ تَحْلِيفَ كُلِّ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَإِرْسَالَهُ مَجَّانًا: لَيْسَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ. وَاحْتَجَّ فِي مَكَان آخَرَ بِأَنَّ قَوْمًا اتَّهَمُوا نَاسًا فِي سَرِقَةٍ، فَرَفَعُوهُمْ إلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. فَحَبَسَهُمْ أَيَّامًا ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ. فَقَالُوا لَهُ: خَلَّيْت سَبِيلَهُمْ بِغَيْرِ ضَرْبٍ وَلَا امْتِحَانٍ؟ فَقَالَ: إنْ شَتَمَ ضَرَبْتهمْ. فَإِنْ ظَهَرَ مَا لَكُمْ وَإِلَّا ضَرَبْتُكُمْ مِثْلَهُ. فَقَالُوا: هَذَا حُكْمُك؟ فَقَالَ: حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَالَ بِهِ.

وَقَالَ بِهِ شَيْخُنَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يَحْبِسُهُ وَالٍ. قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَاضٍ أَيْضًا، وَأَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 8] حَمَلْنَا عَلَى الْحَبْسِ لِقُوَّةِ التُّهْمَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015