وَقَالَ الْقَاضِيَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْ غَيْرِهِ فِي إثْبَاتِ حَقٍّ أَوْ نَفْيِهِ، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِ. وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، فِي الصُّلْحِ عَنْ الْمُنْكَرِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ صِدْقَ الْمُدَّعِي. فَلَا تَحِلُّ دَعْوَى مَا لَمْ يُعْلَمْ ثُبُوتُهُ.
الثَّانِيَةُ: لَهُ إثْبَاتُ وَكَالَتِهِ مَعَ غَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَيَأْتِي فِي بَابِ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ مَا تَثْبُتُ بِهِ الْوَكَالَةُ وَالْخِلَافُ فِيهِ. وَإِنْ قَالَ: " أَجِبْ عَنِّي خَصْمِي " احْتَمَلَ أَنَّهَا كَالْخُصُومَةِ، وَاحْتَمَلَ بُطْلَانَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَرَائِنِ. فَإِنْ لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ فَهُوَ إلَى الْخُصُومَةِ أَقْرَبُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الْإِيدَاعِ، فَأَوْدَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ: لَمْ يَضْمَنْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ يَضْمَنُ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي رِوَايَةً
قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ، فَقَضَاهُ وَلَمْ يُشْهِدْ، وَأَنْكَرَ الْغَرِيمُ ضَمِنَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْإِشْهَادِ فَلَمْ يَفْعَلْ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: ضَمِنَ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ،