فَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي وَدِيعَةٍ لَا يَدْفَعُهَا إلَّا إلَى الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ جَمِيعًا. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْغُرَمَاءِ وِلَايَةَ الْمُطَالَبَةِ وَالرُّجُوعَ عَلَى الْمُودَعِ إذَا سَلَّمَ الْوَدِيعَةَ إلَى الْوَرَثَةِ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الِاحْتِيَاطِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إنْ قُلْنَا: التَّرِكَةُ مِلْكٌ لَهُمْ فَلَهُمْ وِلَايَةُ الطَّلَبِ وَالْقَبْضِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَتْ مِلْكًا لَهُمْ، فَلَيْسَ لَهُمْ الِاسْتِقْلَالُ بِذَلِكَ. وَقَالَ الْمَجْدُ: عِنْدِي أَنَّ النَّصَّ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ وَالْغُرَمَاءَ تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُمْ بِالتَّرِكَةِ كَالرَّهْنِ وَالْجَانِي. فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى بَعْضِهِمْ. انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْفَوَائِدِ مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَهَرَ غَرِيمٌ بَعْدَ قَسْمِ مَالِهِ: رَجَعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقِسْطِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذِهِ قِسْمَةٌ بِأَنَّ الْخَطَأَ فِيهَا. فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَسَمَ أَرْضًا أَوْ مِيرَاثًا بَيْنَ شُرَكَاءَ، ثُمَّ ظَهَرَ شَرِيكٌ آخَرُ، أَوْ وَارِثٌ آخَرُ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: فَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ اقْتَسَمَهَا غَرِيمَاهُ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ ظَهَرَ ثَالِثٌ دَيْنُهُ كَدَيْنِ أَحَدِهِمَا: رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِثُلُثِ مَا قَبَضَهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ. وَأَصْلُ هَذَا: مَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثِينَ بِوَارِثٍ. فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا فِي يَدِهِ إذَا كَانَ ابْنًا وَهُمَا ابْنَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي الثَّانِيَةِ. بَلْ هُوَ خَطَأٌ فِيهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ مَا قَبَضَهُ بِحِصَّتِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ كَمَفْقُودٍ رَجَعَ بَعْدَ قِسْمَةٍ وَتَلَفٍ. وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ: لَوْ وَصَلَ مَالُ الْغَائِبِ، فَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا أَيْضًا. فَقَالَ: إنْ طَالَبَا جَمِيعًا اشْتَرَكَا، وَإِنْ طَالَبَ
أَحَدُهُمَا: اخْتَصَّ بِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ. وَعَدَمُ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ: وَلَمْ يُطَالِبْ أَصْلًا، وَإِلَّا شَارَكَهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ.