وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: فِي غَيْرِ الْجِهَادِ. فَأَمَّا فِي الْجِهَادِ: فَيُمْنَعُ، حَتَّى يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ، عَلَى رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ. وَأَنَّ الْجِهَادَ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، فَلَهُ السَّفَرُ دُونَ أَجَلِهِ. وَعَنْهُ لَا يُسَافِرُ غَيْرَ مُجَاهِدٍ، حَتَّى يَأْتِيَ بِرَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَإِنَّ ظَاهِرَهُ كَذَلِكَ. فَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَبَعِيدٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِهَادِ: أَنَّهُ لَا يُجَاهِدُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَذَكَرْنَا هُنَاكَ الْخِلَافَ، وَأَنَّ لَنَا قَوْلًا: لَا يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، وَقَوْلًا: إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ جُنْدِيًّا مَوْثُوقًا بِهِ لَا يَسْتَأْذِنُهُ. وَيَسْتَأْذِنُهُ غَيْرُهُ. وَمَحَلُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا. وَالشَّارِحِ، وَجَمَاعَةٍ: إذَا كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا. لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا رِوَايَةَ عَدَمِ الْمَنْعِ. فَقَالُوا: لِأَنَّ هَذَا السَّفَرَ لَيْسَ بِأَمَارَةٍ عَلَى مَنْعِ الْحَقِّ فِي مَحَلِّهِ. فَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ مِنْهُ. كَالسَّفَرِ الْقَصِيرِ. وَلَعَلَّهُ أَوْلَى. فَهَذِهِ سِتُّ طُرُقٍ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ.
فَائِدَتَانِ.
إحْدَاهُمَا: اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ: أَنَّ لِغَرِيمِهِ مَنْعَهُ حَتَّى يُقِيمَ كَفِيلًا بِبَدَنِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ. قُلْت: مِنْ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ، إذَا كَانَ لَهُ حِرْفَةٌ: يُلْزَمُ بِإِيجَارِ نَفْسِهِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ. فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُمْنَعَ لِيَعْمَلَ.