وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ إذْنِهِ فِي الْوَضْعِ. وَلَوْ صَالَحَهُ عَنْهُ بِشَيْءٍ جَازَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: جَازَ فِي الْأَصَحِّ انْتَهَى.
وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ وَضْعُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَخَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ رِوَايَةِ الْمَنْعِ مِنْ وَضْعِهِ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ. وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضَعُهُ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ حَقًّا. وَحَقُّ اللَّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.
فَائِدَةٌ: ذَكَرَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الضَّرُورَةَ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لِلْجَارِ ثَلَاثَةَ جُدُرٍ، وَلَهُ جِدَارٌ وَاحِدٌ. مِنْهُمْ الْقَاضِي. وَابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَالرِّعَايَةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَلَيْسَ هَذَا فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إنَّمَا قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " لَا يَمْنَعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ، وَكَانَ الْحَائِطُ يَبْقَى " وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ التَّسْقِيفُ عَلَى حَائِطَيْنِ، إذَا كَانَا غَيْرَ مُتَقَابِلَيْنِ، أَوْ كَانَ الْبَيْتُ وَاسِعًا يَحْتَاجُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ جِسْرًا، ثُمَّ يَضَعُ الْخَشَبَ عَلَى ذَلِكَ الْجِسْرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَوْلَى اعْتِبَارُهُ بِمَا ذَكَرْنَا، مِنْ امْتِنَاعِ التَّسْقِيفِ بِدُونِهِ. وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَا بَيْنَ الْبَالِغِ وَالْيَتِيمِ وَالْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ) . أَنَّ الْمُقَدَّمَ: جَوَازُ وَضْعِهِ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمَذْهَبِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَيْسَ لَهُ وَضْعُهُ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ جَازَ وَضْعُهُ عَلَى جِدَارِ غَيْرِهِ. وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ.