قُلْت: لَوْ قِيلَ: إنَّ عِبَارَاتِ الْأَوَّلِينَ مُطْلَقَةٌ وَهَذِهِ مُبَيِّنَةٌ لَهَا، وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَوْلًا وَاحِدًا: لَكَانَ مُتَّجَهًا. وَيُقَوِّي ذَلِكَ: أَنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ جَزَمَ بِذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ إطْلَاعِهِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ أَهْلِ مَكَّةَ» فَدَلَّ أَنَّ مُرَادَهُمْ مَا قُلْنَاهُ. وَهُوَ وَاضِحٌ. لَكِنْ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَمَرْجِعُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ: إلَى عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَرَدَ فِي الْمُحَرَّرِ الْكَيْلُ إلَى الْمَدِينَةِ، وَالْوَزْنُ إلَى مَكَّةَ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَكَى فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْخِلَافَ، فَظَاهِرُهُمَا: التَّغَايُرُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُمَا حَكَيَا عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ.

قَوْلُهُ (وَمَا لَا عُرْفَ لَهُمْ بِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ) . أَصْلُهُمَا احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي [فِي التَّعْلِيقِ] . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ.

أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ عُرْفُهُ فِي مَوْضِعِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدِمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: يُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ بِالْحِجَازِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: يُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ بِالْحِجَازِ فِي الْوَزْنِ لَا غَيْرَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ اخْتَلَفَ عُرْفُ الْبِلَادِ، فَالِاعْتِبَارُ بِالْغَالِبِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبٌ: تَعَيَّنَ الْوَجْهُ الثَّانِي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015