فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: لِلْأَصْحَابِ فِي تَوْجِيهِ الْمَذْهَبِ مَأْخَذَانِ.
أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَا أَخَذَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ: أَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ: يُقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا. وَهَذَا يُؤَدِّي هُنَا: إمَّا إلَى تَعْيِينِ التَّفَاضُلِ، وَإِمَّا إلَى الْجَهْلِ بِالتَّسَاوِي. وَكِلَاهُمَا مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ فِي بَابِ الرِّبَا.
وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ. سَدًّا لِذَرِيعَةِ الرِّبَا. فَإِنَّ اتِّخَاذَ ذَلِكَ حِيلَةٌ عَلَى الرِّبَا الصَّرِيحِ وَاقِعٌ. كَبَيْعِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كِيسٍ بِمِائَتَيْنِ، جُعِلَا لِلْمِائَةِ فِي مُقَابَلَةِ الْكِيسِ، وَقَدْ لَا يُسَاوِي دِرْهَمًا. فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَا مَقْصُودَيْنِ، حَسْمًا لِهَذِهِ الْمَادَّةِ. وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إيمَاءٌ إلَى هَذَا الْمَأْخَذِ. فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمَدِينَ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ مِنْ زَرْعٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّ الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ نَقْدٍ وَاحِدٍ. فَفِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ احْتِمَالَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ، لِتَحَقُّقِ التَّسَاوِي. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، لِجَوَازِ أَنْ يَغْلِبَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ. فَيَقْبِضُ قِيمَتَهُ وَحْدَهُ. وَصَحَّحَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ. قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَدَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، لَكِنَّ الْقِيَاسَ الْأَوَّلُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَوَاعِدِ ابْنِ رَجَبٍ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دِرْهَمًا، وَقَالَ: أَعْطِنِي بِنِصْفِ هَذَا الدِّرْهَمِ نِصْفَ دِرْهَمٍ، وَبِنِصْفِهِ فُلُوسًا، أَوْ حَاجَةً أُخْرَى: جَازَ. كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دِرْهَمَيْنِ، وَقَالَ: أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ فُلُوسًا، وَبِالْآخَرِ نِصْفَيْنِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ نِصْفًا وَفُلُوسًا جَازَ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ نَوْعَيْ جِنْسٍ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْهُ، كَدِينَارٍ قِرَاضَةً