وَقَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: وَابْنُ السَّبِيلِ الْآيِبُ إلَى بَلَدِهِ، وَلَوْ مِنْ فُرْجَةٍ أَوْ مَحْرَمٍ فِي وَجْهٍ. وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا تَابَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ. قَوْلُهُ (دُونَ الْمُنْشِئِ لِلسَّفَرِ مِنْ بَلَدٍ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُعْطَى، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُعْطَى أَيْضًا.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ قَدْرَ مَا يُوَصِّلُهُ إلَى بَلَدِهِ، وَلَوْ مَعَ غِنَاهُ فِي بَلَدِهِ، وَيُعْطَى أَيْضًا مَا يُوَصِّلُهُ إلَى مُنْتَهَى مَقْصِدِهِ، وَلَوْ اجْتَازَ عَنْ وَطَنِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا فَارَقَ وَطَنَهُ لِقَصْدٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا يُعْطَى، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ ظَاهِرَ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرَ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ قَدَرَ ابْنُ السَّبِيلِ عَلَى الِاقْتِرَاضِ، فَأَفْتَى الْمَجْدُ بِعَدَمِ الْأَخْذِ مِنْ الزَّكَاةِ وَأَفْتَى الشَّارِحُ بِجَوَازِ الْأَخْذِ، وَقَالَ: لَمْ يَشْتَرِطْ أَصْحَابُنَا عَدَمَ قُدْرَتِهِ عَلَى الِاقْتِرَاضِ؛ وَلِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
قَوْلُهُ (وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ مَا يُغْنِيهِ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ يَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهِ سَنَةً. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ عِنْدِي. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَيُعْطَيَانِ كِفَايَتَهُمَا لِتَمَامِ سَنَةٍ، لَا أَكْثَرَ. عَلَى الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ:
وَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ لِلْفَقِيرِ ... أَكْثَرَ مِنْ غِنَاهُ فِي التَّقْدِيرِ
، وَعَنْهُ يَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهِ دَائِمًا بِمَتْجَرٍ أَوْ آلَةِ صَنْعَةٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، اخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَهِيَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ.