4
وإذا كان كتاب «المقنع» لموفق الدين ابن قدامة قد اعتُمد في المذهب متنا يحفظه الطلاب، ويشرحه الشارحون، ويعكف عليه الدارسون، فقد ظهر سعده منذ ألفه مؤلفه، ولذلك انصرف إليه ابن أخيه شمس الدين ابن قدامة؛ قراءة وتصحيحًا وشرحًا، واستفاد في شرحه هذا من كتاب عمه موفق الدين العلم في المذهب المسمى «المغني»، ولو أتيح لموفق الدين نفسه أن يشرح «المقنع» لكان شرحه قريبا من عمل ابن أخيه، ولذلك حظى كتاب الشرح الكبير بتقدير بالغ من علماء المذهب، ولم يسمه مؤلفه في مقدمة الكتاب كما يصنع المؤلفون عادة، وإنما وجدنا اسم الكتاب في بعض المصادر، وفي بعض مخطوطاته «الشافي»، وفي بعضها «تسهيل المطلب في تحصيل المذهب»، لكن الاسم الذي سار للكتاب وانتشر به هو «الشرح الكبير».
وكان صنيع علاء الدين المرداويّ مع المقنع إكمالا وتتميما لعمل شمس الدين ابن قدامة، حيث اهتم بمواضع الخلاف في المذهب، واستطاع عن طريق مكتبته الحافلة أن يبين رأى كل مؤلف أو إمام، والمنقول عن الإمام أحمد، والمنصوص عليه، وماذا يرجح كل مصنف أو مؤلف مع ذكر كتابه، وكان عمله هذا توثيقا للمذهب، وجمعا لأقوال علمائه، وحشدا لما في مصنفاته، وبذلك استغنى مقتنيه عن الرجوع إلى مصادر كثيرة، ومراجعة مؤلفات عدة، ولذلك فإنه من تمام الفائدة أن يلحق الإنصاف بالشرح الكبير، وأن يجمع بينهما في قرَنٍ، وبذلك يجتمع نص المقنع المضبوط المحقق، إلى الشرح الكبير المحرر المدقق، إلى الإنصاف الموثق، فيصبح لدى مقتنيه ما يستطيع به أن يستغنى عن الرجوع إلى مكتبة فقهية حافلة، إلا إذا أراد التوسع والاستزادة.