. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحالَةُ الأُولَى، أَنْ يكونَ غيرَ مُقَلِّدٍ لإمامِه فى الحُكْمِ والدَّليلِ، لكِنْ سَلَكَ طرِيقَه فى الاجْتِهادِ والفَتْوَى، ودَعا إلى مذهبِه، وقرَأ كثيرًا منه على أهْلِه، فوَجدَه صَوابًا وأَوْلَى مِن غيرِه، وأشَدَّ مُوافقَةً فيه وفى طَريقِه. قال ابنُ حَمْدانَ فى «آدابِ المُفْتِى»: وقد ادَّعَى هذا منا ابنُ أبى مُوسى فى «شَرحِ الإِرْشادِ» الذى له، والقاضى أبو يَعْلَى، وغيرُهما مِن الشَّافِعِيَّةِ خَلْقٌ كثيرٌ. قلتُ: ومِن أصحابِ الإِمامِ أحمدَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه؛ فمِنَ المُتَأخرينَ؛ كالمُصَنِّفِ، والمَجْدِ، وغيرِهما. وفَتْوَى المُجْتَهِدِ المذْكُورِ، كَفَتْوَى المُجْتَهِدِ المُطْلَقِ فى العَمَلِ بها، والاعْتِدادِ بها فى الإجْماعِ والخِلافِ.
الحالَةُ الثَّانيةُ، أَنْ يكونَ مُجْتَهِدًا فى مذهبِ إمامِه، مُسْتَقِلًّا بتَقْريرِه بالدَّليلِ، لكِنْ لا يتَعَدَّى أُصولَه وقَواعِدَه، مع إتْقانِه للفِقْهِ وأُصولِه، وأدِلَّةِ مَسَائلِ الفِقْهِ، عالمًا بالقِياسِ ونحوِه، تامَّ الرِّياضَةِ، قادِرًا على التَّخْريجِ والاسْتِنْباطِ، وإلْحاقِ الفُروعِ بالأُصولِ والقَواعِدِ التى لإمامِه. وقيل: ليسَ مِن شَرْطِ هذا معْرِفَةُ عِلْمِ الحديثِ، واللُّغةِ العَرَبِيَّةِ؛ لكَوْنِه يتَّخِذُ نُصوصَ إمامِه أصُولًا يسْتَنْبِطُ منها الأحْكامَ، كنُصوصِ الشَّارِعِ، وقد يرَى حُكْمًا ذكرَه إمامُه بدَليلٍ، فيَكْتَفِى بذلك، مِن غيرِ بحثٍ عن مُعارِضٍ أو غيرِه. وهو بعيدٌ. وهذا شأْنُ أَهْلِ الأَوْجُهِ والطُّرُقِ فى المذاهبِ، وهو حالُ أكْثرِ عُلَماءِ الطَّوائفِ الآنَ. فَمَنْ عَلِمَ يقينًا هذا، فقد قلَّد إِمامَه دُونَه؛ لأَنَّ مُعَوَّلَه على صِحَّةِ إضافَةِ ما يقولُ إلى إمامِه؛ لعدَمِ اسْتِقْلالِه بتَصْحيحِ نِسْبَتِه إلى الشَّارِعِ بلا واسِطَةِ إمامِه، والظَّاهِرُ معْرِفَتُه بما يتعَلَّقُ بذلك مِن حديثٍ، ولُغَةٍ، ونَحْوٍ. وقيل: إنَّ فَرْضَ الكِفايَةِ لا يتَأدَّى به؛ لأَنَّ تقْليدَه نقْصٌ