وقال الأعشى:
[31]
أَصَابَ الملوك فأفناهم ... وأخرج من بيته ذا جَدَنْ
ويروى "ذَا يَزَنْ".
وكذلك أجمعنا على جواز تقديم خبر "كان" على اسمها، نحو "كان قائمًا زيد" وإن كان قد قُدِّم فيه ضمير الاسم على ظاهره، إلا أنه لما كان في تقدير التأخير لم يمنع ذلك من تقديم الضمير، ولهذا لو فقد هذا التقدير من التقديم والتأخير لما جاز تقديم الضمير، ألا ترى أنه لا يجوز "ضَرَبَ غُلَامُهُ زيدًا" إذا جعلت غلامه فاعلًا وزيدًا مفعولًا؛ لأن التقدير إنما يخالف اللفظ إذا عُدِلَ بالشيء عن الموضع الذي يستحقه؛ فأما إذا وقع في الموضع الذي يستحقه فمحال أن يقال إن النيّة به غير ذلك. وههنا قد وقع الفاعل في رتبته والمفعول في رتبته، فلم يمكن أن تجعل الضمير في تقدير التأخير، بخلاف ما إذا قلت: ضرب: "ضَرَبَ غَلَامَهُ زيدٌ" فجعلت غلامه مفعولًا وزيدًا فاعلًا، فأما قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [البقرة: 124] فإنه وإن كان بتقدير التأخير يصير إلى قولك وإذا ابتلى ربه إبراهيم، فيكون إضمارًا قبل الذكر كقولك: "ضرب غلامُهُ زيدًا" إلا أن بينهما فرقًا، وذلك لأن قولك "ضرب غلامه زيدًا" تقدم فيه ضمير الاسم على ظاهره لفظًا وتقديرًا، وقوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} [البقرة: 124] تقدم فيه ضمير الاسم على ظاهره تقديرًا لا لفظًا، والضمير متى تقدم تقديرًا لا لفظًا أو تقدم لفظًا لا تقديرًا فإنه يجوز، بخلاف ما إذا تقدم عليه لفظًا وتقديرًا، والله أعلم.