فأكد "غير" بلا؛ لاتفاقهما في المعنى، ولهذا قلنا: إن العمل لكي، وأن لا عمل لها؛ لأنها دخلت توكيدا لها، وكذلك أيضًا قلنا: إن العمل للام في قولك "جئت لكي أن أكرمك" لأن كي وأن تأكيدان للام، ولا يبعد في كلامهم مثل ذلك؛ فقد قالوا: لا إن ما رأيتُ مثل زيد، فجمعوا بين ثلاثة أحرف من حروف الجحد للمبالغة في التوكيد، فكذلك ههنا.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إظهار "أنْ" بعد "لكي" لا يخلو: إما أن تكون لأنها قد كانت مقدرة فجاز إظهارها بعد الإضمار، وإما أن تكون مزيدة ابتداء من غير أن تكون قد كانت مقدرة، بطل أن يقال "إنها قد كانت مقدرة" لأن "لكي" تعمل بنفسها، ولا تعمل بتقدير "أن" ولو كانت تعمل بتقدير "أن" لكان ينبغي إذا ظهرت "أن" أن يكون العمل لأن دونها، فلما أضيف العمل إليها دلَّ على أنها العامل بنفسها، لا بتقدير أن، وبطل أن يقال أنها تكون مزيدة ابتداء؛ لأن ذلك ليس بمقيس فيفتقر إلى توقيف عن العرب، ولم يثبت عنهم في ذلك شيء، فوجب أن لا يجوز ذلك.
ومنهم من تمسك بأن قالوا: إنما لم يجز إظهار "أن" بعد كي وحتى؛ لأن كي وحتى صارتا بدلًا من اللفظ بأن، كما صارت "ما" بدلًا عن الفعل في قولهم: أما أنت منطلقا انطلقت معك، والتقدير فيه: أن كنت منطلقا انطلقت معك، فحذف الفعل وجعلت "ما" عوضا عنه، وكما لا يجوز أن يظهر الفعل بعد "ما" لئلا يجمع بين البدل والمبدل؛ فكذلك ههنا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما البيت الذي أنشدوه فلا حجة لهم فيه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن هذا البيت غير معروف، ولا يعرف قائله، فلا يكون فيه حجة1.