أن تَحْمِلَا حاجةً لِي خَفّ مَحْمِلُهَا ... تصنعا نعمةً عندي بها وَيَدَا
أن تَقْرَآنِ على أسماء ويَحْكُمَا ... مني السلام، وأن لا تُشْعِرا أحدا
فقال "أن تقرآن" فلم يعملها تشببها لها بما، على ما بيّنّا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قراءة من قرآ: {لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه} [هود: 26]
فهي قراءة شاذة، وليس لهم فيها حجة؛ لأن: {تَعْبُدُوا} مجزوم بلا؛ لأن المراد بها النهي، وعلامة الجزم والنصب في الخمسة الأمثلة التي هذا أحدها واحدةٌ.
أما قول طرفة:
[368]
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
الرواية عندنا على الرفع، وهي الرواية الصحيحة، وأما من رواه بالنصب؛ فلعله رواه على ما يقتضيه القياس عنده من إعمال "أن" مع الحذف، فلا يكون فيه حجة، ولئن صحت الرواية بالنصب؛ فهو محمول على أنه توهَّم أنه أتى بأن، فنصب على طريق الغلط، كما قال الأحوص اليَرْبُوعِي:
[117]
مشائيمُ ليسوا مصلحين عشيرةً ... ولا ناعبٍ إلا ببينٍ غُرَابُها
فجر قوله "ناعب" توهما أنه قال "ليسوا بمصلحين" فعطف عليه بالجر، وإن كان منصوبًا كما قال صِرْمَةُ الأنصاري:
[115]
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابقٍ شيئًا إذا كان جائيًا
فجر "سابق" توهما أنه قال "لست بمدرك ما مضى" فعطف عليه بالجر وإن كان منصوبًا، وهذا لأن العربي قد يتكلم بالكلمة إذا استهواه ضربٌ من الغلط فيعدل عن قياس كلامه وينحرف عن سَنَنِ أصوله، وذلك مما لا يجوز القياس عليه.
وأما قول الآخر:
[369]
... بعد ما كدت أفعله
فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أنه نصب "أفعله" على طريق الغلط على ما بيناه فيما تقدم، كأنه توهم أنه قال "كدت أن أفعله" لأنهم قد يستعملونها مع كاد في ضرورة الشعر، كما قال الشاعر:
[371]
قد كاد من طول البِلَى أن يَمْصَحَا