واجتزاؤهم بالفتحة عن الألف نحو ما أنشدوا:
[245]
فلست بمدركٍ ما فاتَ منِّي ... بِلَهْفٍ ولا بِلَيْتَ ولا لَوَانِّي
أراد "بلهفًا" فاجتزأ بالفتحة عن الألف، كما قال رؤبة:
[283]
وصَّانِي العجاج فيما وَصَّنِي
أراد "فيما وصاني" فاجتزأ بالفتحة عن الألف.
واجتزاؤهم بهذه الحركات عن هذه الأحرف كثير في كلامهم، والشواهد على ذلك أكثر من أن تُحْصَى.
ثم لو صح أن التقدير فيه "لتفد" كما زعمتم فنقول: إنما حذف اللام لضرورة الشعر. وما حذف للضرورة لا يجعل أصلًا يقاس عليه.
وأما قوله.
[351]
فقلت ادْعِي وأَدْعُ فإنَّ أندى
فإنه قد روي:
[351]
... ادعي وأَدْعُو إنَّ أندى
بإثبات الواو في "أدعو" وحذف الفاء من "إن" فلا يكون فيه حجة، ولئن صح ما رووه فهو محمول على ضرورة الشعر كما بينا في البيت الأول، وهو الجواب عن قول الآخر:
[352]
... أو يَبْكِ من بَكَى
وعن قول الآخر:
[353]
فيدن مني تَنْهَهُ المَزَاجِرُ
والذي يدل على أن ذلك مما يختص بالشعر أن أبا عثمان المازني قال: جلست في حلقة الفراء فسمعته يقول لأصحابه: لا يجوز حذف لام الأمر إلا في شعر، وأنشد:
[353]
من كان لا يزعم أني شاعر ...
فَيَدْنُ مني تَنْهَهُ المَزَاجِرُ
فقلت له: لم جاز في الشعر ولم يجز في الكلام؟ فقال: لأن الشعر يضطر فيه الشاعر فيحذف؛ فدل على أن هذا الحذف إنما يكون في الشعر لا في اختيار الكلام، بالإجماع.
وأما ما رووه عن رؤبة من قوله: "خيرٍ" فلا خلاف أنه من الشاذ النادر الذي لا يعرَّجُ عليه، ولهذا أجمع النحويون قاطبة على أنه لا يجوز في جواب من قال: "أين تذهب" أن يقال: زيدٍ، على تقدير إلى زيد، وفي امتناع ذلك