فهو محمول على أنه بمعنى وَدَّعَ بالتشديد فخفَّف، وهو على كل حال من الشاذ الذي لا يعتدُّ به في الاستعمال. وإذا كان كذلك وجب أن تكون الجملة التي بعدها مخالفة لما قبلها؛ ليكونا خبرين مختلفين.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إنا أجمعنا على أن بل يجوز العطف بها بعد النفي والإيجاب فكذلك لكن لاشتراكهما في المعنى" قلنا: إنما شاركت لكن بل في النفي دون الإيجاب؛ لأن مشاركتها لها في النفي صواب وليس على سبيل النسيان والغلط؛ ألا ترى أنك إذا قلت في النفي "ما جاءني زيد لكن عمرو" لم توجب نسيانًا ولا غلطًا كما لو قلت "ما جاءني زيد بل عمرو" وإذا كان استعماله في النفي لا يوجب نسيانا ولا غلطا، فتكثير ما هو صواب لا يُنْكَر، بخلاف استعماله في الإيجاب؛ فإنه يوجب النسيان والغلط، والنسيان والغلط إنما يقع نادرًا قليلًا، فاقتصر فيه على حرف واحد وهو "بل".

ثم ليس من ضرورة تشارك لكن وبل في بعض الأحوال مشاركتهما في كل الأحوال، ألا ترى أن "بل" لا يحسُنُ دخول الواو عليها؟ ولا يقال "وبل" و"لكن" يحسن دخول الواو عليها فيقال "ولكن" قال الله تعالى: "وَلَكِنِ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا" [البقرة: 102] في قراءة من قرأ بالتخفيف، وكذلك قوله: "وَلَكِنِ البر" [البقرة: 177] والشواهد على ذلك من كتاب الله وكلام العرب مما لا يحصى كثرة، وذلك لا يوجد البتة في "بل" فدلَّ على ما قلناه، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015