ومن ذلك قولهم "صَلَاةُ الأولى، ومَسْجدُ الجامع، وبَقْلَةُ الحمقاء" والأولى في المعنى هي الصلاة، والجامع هو المسجد، والبقلة هي الحمقاء، وقد أضافوها إليها، فدل على ما قلناه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز لأن الإضافة إنما يراد بها التعريف والتخصيص، والشيء لا يتعرف بنفسه، لأنه لو كان فيه تعريف كان مستغنيًا عن الإضافة، وإن لم يكن فيه تعريف كان بإضافته إلى اسمه أبعد من التعريف؛ إذ يستحيل أن يصير شيئًا آخر بإضافة اسمه إلى اسمه؛ فوجب أن لا يجوز كما لو كان لفظهما مُتَّفِقًا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما ما احتجوا به فلا حجة لهم فيه؛ لأنه كله محمول على حذف المضاف إليه وإقامة صفته مقامه، أما قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ اليقينِ} [الواقعة: 95] فالتقدير فيه: حق الأمر اليقين، كما قال تعالى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] أي دين الملة القيمة، وأما قوله تعالى: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ} [يوسف: 109] فالتقدير فيه: ولدار الساعة الآخرة، وأما قوله تعالى: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [قّ: 9] أي حب الزرع الحصيد، ووصف الزرع بالحصيد، وهو التحقيق1؛ لأن الحب اسم لما ينبت في الزرع، والحصد إنما يكون للزرع الذي ينبت فيه الحب، لا للحب، ألا ترى أنك تقول "حصدت الزرع" ولا تقول "حصدت الحب" وأما قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} [القصص: 44] فالتقدير فيه: بجانب المكان الغربيّ، وأما قولهم "صلاة الأولى" فالتقدير فيه: صلاة الساعة الأولى، وأما قولهم "مسجد الجامع" فالتقدير فيه: مسجد الموضع الجامع، وأما قولهم "بقلة الحمقاء" فالتقدير فيه: بقلة الحبة الحمقاء2؛ لأن البقلة اسم لما نبت من تلك الحبة، ووصف الحبة بالحمق، وهو التحقيق1؛ لأنها الأصل، وما نَبَتَ