فَقَالَ فريقُ القومِ لما نَشَدْتُهُمْ: ... نعم، وفريق: ليْمُنُ اللهِ ما ندري
ويدل عليه أنهم قالوا في أيمن الله "مُ الله" ولو كان جمعًا لما جاز حذف جميع حروفه إلا حرفًا واحدًا؛ إذ لا نظير له في كلامهم، فدلَّ على أنه ليس بجمع، فوج بأن يكون مفردًا.
وأما ما ذكروه من كونها همزة وصل لكثرة الاستعمال فسنبين أنه حجة عليهم في الجواب عن كلماتهم، إن شاء الله تعالى.
أما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إنه جمع يمين، بدليل أنه على وزن أَفْعُل، وأفعل وزن يختص به الجمع، ولا يكون في المفرد" قلنا: لا نسلم؛ بل قد جاء ذلك في المفرد؛ فإنهم قالوا: رَصاصٌ آنُكٌ، وهو الخالص، وقالوا "أَسْنُمَة" اسم موضع وأكمه، و "أشُدُّ" على الصحيح، وهو منتهى الشباب والقوة، وقيل: هو الحلم، وقيل: عشرون سنة، وقيل: ثلاث وثلاثون سنة، وقيل: أربعون سنة.
وقولهم "الأصل في الهمزة أن تكون همزة قطع لأنه جمع يمين" قلنا: لو كانت الهمزة فيه همزة قطع لما جاز فيه كسر الهمزة فقيل "إيمُنُ الله" لأن ما جاء من الجمع على وزن أَفْعُلُ لا يجوز فيه كسر الهمزة، فلما جاز ههنا بالإجماع كسرة الهمزة دل على أنها ليست همزة قطع.
وأما قولهم "إنها لو كانت همزة وصل لكان ينبغي أن تكون مكسورة" قلنا: إنما جاءت مفتوحة -وإن كان القياس يقتضي أن تكون مكسورة- لأنهم لما كثر استعماله في كلامهم فتحوا فيه الهمزة لأنها أخف من الكسرة كما فتحوا الهمزة التي تدخل على لام التعريف -وإن كان الأصل فيها الكسر- لكثرة الاستعمال، فكلك ههنا.
وأما قولهم "إن الهمزة ثبتت في قولهم أمُ الله لأفعلن مع تحرك ما بعدها" قلنا: إنما ثبتت الهمزة فيه من وجهين؛ أحدهما: أن الأصل في الكلمة "أيمن" فالهمزة داخله على الياء وهي ساكنة، فلما حذفت -وحذفها غير لازم- بقي حكمها. والثاني: أن حركة الميم حركة إعراب، وليست لازمة وتسقط في الوقف؛ فلذلك ثبتت همزة الوصل.
والدليل على ذلك أن العرب تقول في الأحمر: "أَلَحْمَر" فلا يحذفون همزة الوصل؛ لأن حركة اللام ليست بلازمة، وبعض العرب يحذفون الهمزة لتحرك ما بعدها، على أن من العرب من يقول "مُ اللهِ" فيحذف الهمزة، وفيها لغات كثيرة تنيف على عشر لغات: أَيْمُنُ الله، وإِيْمُن الله، وأَيْمُ الله، وإِيْمُ الله، وأمُ الله، ومُ