فخفض "دين" بإضمار حرف الخفض.
والذي يدل على ذلك أنكم تُعْمِلُونَ رُبَّ مع الحذف بعد الواو والفاء وبل؛ فدل على جوازه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: أجمعنا على أن الأصل في حروف الجر أن لا تعمل مع الحذف، وإنما تعمل مع الحذف، وإنما تعمل مع الحذف في بعض المواضع إذا كان لها عوض، ولم يوجد ههنا، فبقينا فيما عداه على الأصل، والتمسك بالأصل تمسك باستصحاب الحال، وهو من الأدلة المعتبرة، ويُخَرَّجُ على هذا الجر إذا دخلت ألف الاستفهام وها التنبيه نحو: "آلله ما فَعَلَ، وهالله ما فَعَلْتُ" لأن ألف الاستفهام وها صارتا عوضًا عن حرف القسم؛ والذي يدل على ذلك أنه لا يجوز أن يظهر معهما حرف القسم؛ فلا يقال: "أوالله" ولا "ها والله"؛ لأنه لا يجوز أن يجمع بين العوض والمعوض، ألا ترى أن الواو لما كانت عوضًا عن الباء لم يجز أن يجمع بينهما؛ فلا يجوز أن يقال: "بِوَاللهِ لأفعلنَّ"؟ فكذلك ههنا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما احتجاجهم بقولهم "ألله لأفعلن" فإنما جاز ذلك مع هذا الاسم خاصة على خلاف القياس لكثرة استعماله، كما جاز دخول حرف النداء عليه مع الألف واللام دون غيره من الأسماء لكثرة الاستعمال؛ فكذلك ههنا: جاز حذف حرف الخفض لكثرة الاستعمال مع هذا الاسم دون غيره، فبقينا فيما عداه على الأصل. يدل على أن هذا الاسم يختص بما لا يكون في غيره، ألا ترى أنه يختص بالتاء كقوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] وإن كان لا يجوز دخول التاء في غيره، كما لا يجوز إدخال التاء