وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه مبنيٌّ على الفتح لأن الأصل في قولك "لا رجل في الدار؟ " لا مِنْ رجل في الدار؛ لأنه جواب من قال "هل من رجل في الدار؟ " فلما حذفت "من" من اللفظ وركبت مع لا تضمنت معنى الحرف فوجب أن تُبْنَى، وإنما بنيت على حركة لأن لها حالة تمكنٍ قبل البناء، وبنيت على الفتح لأنه أخفّ الحركات.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إنما قلنا إنه منصوب بلا؛ لأنها اكتفي بها عن الفعل" قلنا: هذا مجرد دعوى يفتقر إلى دليل؛ ثم لو كان كما زعمتم لوجب أن يكون منوّنًا.
قولهم "حذف التنوين بناء على الإضافة" قلنا: لو كان هذا صحيحًا لوجب أن يطرد في كل ما يجوز إضافته من الأسماء المفردة المنونة، فلما قلتم إنه يختص بهذا الموضع دون سائر المواضع دلَّ على فساد ما ذهبتم إليه.
وأما قولهم "إنَّ لا تكون بمعنى غير، فلما جاءت بمعنى ليس منصوبًا بها ليخرجوها من معنى غير" قلنا: ولِمَ إذا كانت بمعنى ليس ينبغي أن يُنْصَب به؟ وهلّا رفعوا بها على القياس؛ فإنهم يرفعون بها إذا كانت بمعنى ليس، قال الشاعر:
[230]
من صَدَّ عن نِيرَانِهَا ... فأنا ابنُ قَيْسٍ لا بَرَاحُ