وقتك على ما يكون بعد ذلك، فكأنك قد شاهدته موجودًا، ولما كرهوا استعمال المضارع كانوا لاستعمال اسم الفاعل أَكْرَه لأنه لا يختص زمانًا بعينه؛ فلهذا منعوه من التصرّف، وعدم التصرّف لا يدل على أنه اسم كما قلنا في "ليس، وعسى".

وأما قولهم "إنه يصغر، والتصغير من خصائص الأسماء فنقول: الجواب عن هذا من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن التصغير في هذا الفعل ليس على حد التصغير في الأسماء؛ فإن التصغير على اختلاف ضروبه: من التحقير كقولك رُجَيْل، والتقليل كقولك دُرَيْهِمَات، والتقريب كقولك قُبَيْل المغرب، والتعطف كقوله صلى الله عليه وسلم "أُصَيْحَابي أصيحابي" والتعظيم كقول الشاعر:

[86]

وكل أناس سوف تدخل بينهم ... دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرُّ منها الأنامل

يريد الموت، ولا داهية أعظم من الموت، والتمدّح كقول الحُبَاب بن المنذر يوم السَّقِيفَة: "أنا جُذَيْلُهَا المُحَكَّكُ، وعُذَيْقُهَا المُرَجَّبُ" فإنه يتناول الاسم لفظًا ومعنًى، والتصغير اللاحق فعل التعجب إنما يتناوله لفظًا لا معنًى، من حيث كان متوجِّهًا إلى المصدر، وإنما رَفَضُوا ذكر المصدر ههنا لأن الفعل إذا أزيل عن التصرف لا يؤكد بذكر المصدر؛ لأنه خرج عن مذهب الأفعال، فلما رفضوا المصدر وآثروا تصغيره صغّروا الفعل لفظًا، ووجهوا التصغير إلى المصدر، وجاز تصغير المصدر بتصغير فعله؛ لأن الفعل يقوم في الذكر مقام مصدره؛ لأنه يدل عليه بلفظه، ولهذا يعود الضمير إلى المصدر بذكر فعله، وإن لم يَجْرِ له ذكر، قال الله تعالى:

{وَلا يحْسَبَنَّ الَّذِينَ يبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيرًا لَهُمْ} [آل عمران: 180]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015