فمن الشّاذ الذي لا يُلْتَفَتْ إليه ولا يُقَاسُ عليه، وإنما دخلت هذه النون على الفعل لتقي آخره من الكسر؛ لأن ياء المتكلم لا يكون ما قبلها إلا مكسورًا، وإذا كانوا قد منعوه من كسرة الإعراب لثقلها وهي غير لازمة فَلأَن يمنعوه من كسرة البناء وهي لازمة كان ذلك من طريق الأولى، فلما منعوه من الكسر أدخلوا هذه النون لتكون الكسرة عليها؛ فلو لم يكن أفعل في التعجب فعلًا وإلا لما دخلت عليه نون الوقاية كدخولها على سائر الأفعال.

اعترضوا على هذا بأن قالوا: نون الوقاية قد دخلت على الاسم في نحو "قَدْنِي وقَطْنِي" أي حسبي، قال الشاعر:

[81]

امتَلَأَ الحوض وقال: قَطْنِي ... مهلًا، رُوَيْدًا، قد مَلَأْتَ بَطْنِي

ولا يدل ذلك على الفعلية، فكذلك ههنا.

وما اعترضوا فيه ليس بصحيح؛ لأن "قدني، وقطني" من الشاذ الذي لا يعرج عليه؛ فهو في الشذوذ بمنزلة مِنّي وعَنِّي، وإنما حَسُنَ دخول هذه النون على قد وقط لأنك تقول "قَدْكَ من كذا، وقَطْكَ من كذا" أي اكْتَفِ به، فتأمر بهما كما تأمر بالفعل؛ فلذلك حسن دخول هذه النون عليهما، على أنهم قالوا "قَطِي وقَدِي" من غير نون كما قالوا "قطني وقدني" بالنون، قال الشاعر:

[82]

قدني من نصر الخُبَيْبَيْنِ قَدِي ... ليس الإمام بالشَّحِيح المُلْحِدِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015