ثم بعد تقرير هذا فلا ريب أن رتبة الإيمان تتفاوت1 إلى زيادة ونقصان حتى ينتهي الإيمان إلى مقدار مثقال الخردلة، كما وردت به الأحاديث النبوية الثابتة الصحيحة2، وقد قرر في مجاله، كما أنَّ رتبة3 التقوى تتفاوت.
فقد أخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب قال: "قال الحواريون يا عيسى بن مريم من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ قال عيسى عليه السلام: الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، والذين نظروا إلى آجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها، فأماتوا فيها ما يخشون أن يميتهم، وتركوا ما علموا أنَّه سيتركهم، فصار استكثارهم منها استقلالاً، وذكرهم إياها فواتاً4، وفرحهم بما أصابوا منها حزنا، وما عارضهم من نائلها رفضوه، وما عارضهم من رفعتها بغير الحق وضعوه، خَلِقَت الدنيا عندهم فليسوا يجددونها، وخربت بينهم فليسوا يعمرونها [599] وماتت في صدورهم فليسوا يحيونها، يهدمونها فيبنون بها آخرتهم، ويبيعونها ويشترون بها ما يبقى لهم، رفضوها فكانوا برفضها الفرحين، وباعوها فكانوا ببيعها المربحين، ونظروا إلى أهلها صرعى، وقد خلت منهم المثلات، فأحيوا ذكر الموت، وأماتوا ذكر الحياة، يحبون الله تعالى، ويستضيئون بنوره، ويضيئون به، لهم خبر