خلقت عبَادي حنفَاء كلهم فأجالتهم الشَّيَاطِين عَن دينهم فبنوا من هَذَا النَّوْع من الْآيَات وَالْأَحَادِيث مقَالَة ثَانِيَة مناقضة للمقالة الأولى أصلوها على أَن العَبْد مُخَيّر مفوض اليه أمره يفعل مَا يَشَاء ويستطيع على مَا لَا يُرِيد ربه تَعَالَى الله عَمَّا يَقُوله الجاهلون علوا كَبِيرا
ثمَّ عَمَدت كل فرقة من هَاتين الْفرْقَتَيْنِ الى مَا خَالف مذهبها من الْآيَات وَالْأَحَادِيث فطلبت لَهُ التَّأْوِيل الْبعيد وردوا مَا أمكنهم رده من الْأَحَادِيث المناقضة لمذهبهم وان كَانَ صَحِيحا كمن يروم ستر ضوء النَّهَار ويؤسس بُنْيَانه على شفا جرف هار
وَلما تَأَمَّلت طَائِفَة ثَالِثَة مَقَالَتي الْفَرِيقَيْنِ مَعًا لم يرتضوا بِوَاحِدَة مِنْهُمَا مُعْتَقدًا لأَنْفُسِهِمْ وَرَأَوا أَنَّهُمَا جَمِيعًا خطأ لِأَن الْمقَالة الأولى تجوير للباري تَعَالَى وَإِبْطَال للتكليف والتكليف والمق الة الثَّانِيَة تجهيل للباري تَعَالَى بِأَمْر خلقو وتعجيز لَهُ عَن تَمام مَشِيئَته فيهم وكلا الصفتين 19 أَلا يَلِيق بِمن قد وصف نَفسه بِأَنَّهُ أحكم الْحَاكِمين وأقدر القادرين وَوصف نَفسه جلّ جَلَاله بقوله {وَمَا تسْقط من ورقة إِلَّا يعلمهَا وَلَا حَبَّة فِي ظلمات الأَرْض وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين}