ولتحاول كذلك أن تدرك إلى أين يملك الإسلام اليوم أن يقود خطاها مرة أخرى بعد أن فشلت جميع التجارب، وجميع المذاهب، وجميع الأوضاع، وجميع الأنظمة، وجميع الأفكار وجميع التصورات، التي ابتدعها البشر لأنفسهم بعيدا عن منهج الله وهداه .. فشلت في أن ترتفع بالبشرية مرة أخرى إلى تلك القمة وأن تضمن للإنسان حقوقه الكريمة في هذه الصورة الوضيئة وأن تفيض على القلوب الطمأنينة - مع هذه النقلة الهائلة - وهي تنقل البشرية إليها بلا مذابح وبلا اضطهادات وبلا إجراءات استثنائية تقضي على الحريات الأساسية وبلا رعب، وبلا فزع، وبلا تعذيب، وبلا جوع، وبلا فقر، وبلا عرض واحد من أعراض النقلات التي يحاولها البشر في ظل الأنظمة البائسة التي يضعها البشر ويتعبد فيها بعضهم بعضا من دون الله .. فحسبنا هذا القدر هنا .. وحسبنا الإيحاءات القوية العميقة التي تفيض بها النصوص ذاتها، وتسكبها في القلوب المستنيرة.
«وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ، وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ» .. ختام هذه الفقرة التي قدمت طبيعة الرسالة وطبيعة الرسول في هذه النصاعة الواضحة. كما قدمت هذه العقيدة عارية من كل زخرف وفصلت الاعتبارات والقيم التي جاءت هذه العقيدة لتلغيها من حياة البشرية والاعتبارات والقيم التي جاءت لتقررها ..
«وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ» .. بمثل هذا المنهج، وبمثل هذه الطريقة، وبمثل هذا البيان والتفصيل .. نفصل الآيات، التي لا تدع في هذا الحق ريبة ولا تدع في هذا الأمر غموضا ولا تبقى معها حاجة لطلب الخوارق فالحق واضح، والأمر بين، بمثل ذلك المنهج الذي عرض السياق القرآني منه ذلك النموذج ..
على أن كل ما سبق في السورة من تفصيل لدلائل الهدى وموحيات الإيمان ومن بيان للحقائق وتقرير للوقائع، يعتبر داخلا في مدلول قوله تعالى: «وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ» ..
أما ختام هذه الآية القصيرة: «وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ» ..
فهو شأن عجيب! .. إنه يكشف عن خطة المنهج القرآني في العقيدة والحركة بهذه العقيدة! إن هذا المنهج لا يعنى ببيان الحق وإظهاره حتى تستبين سبيل المؤمنين الصالحين فحسب. إنما يعنى كذلك ببيان الباطل وكشفه حتى تستبين سبيل الضالين المجرمين أيضا .. إن استبانة