إنها تمثل شيئا هائلا تحقق في حياة البشرية فعلا .. تمثل نقلة واسعة نقلها هذا الدين للبشرية بجملتها .. تمثل خطا وضيئا على الأفق بلغته هذه البشرية ذات يوم في حياتها الحقيقية .. ومهما يكن من تراجع البشرية عن هذا الخط الوضيء الذي صعدت إليه في خطو ثابت على حداء هذا الدين، فإن هذا لا يقلل من عظمة تلك النقلة ومن ضخامة هذا الشيء الذي تحقق يوما ومن أهمية هذا الخط الذي ارتسم بالفعل في حياة البشر الواقعية .. إن قيمة ارتسام هذا الخط وبلوغه ذات يوم. أن تحاول البشرية مرة ومرة ومرة الارتفاع إليه ما دام أنها قد بلغته فهو في طوقها إذن وفي وسعها .. والخط هناك على الأفق، والبشرية هي البشرية وهذا الدين هو هذا الدين .. فلا يبقى إلا العزم والثقة واليقين ..
وقيمة هذه النصوص أنها ترسم للبشرية اليوم ذلك الخط الصاعد بكل نقطه ومراحله .. من سفح الجاهلية الذي التقط الإسلام منه العرب، إلى القمة السامقة التي بلغ بهم إليها، وأطلعتهم في الأرض يأخذون بيد البشرية من ذلك السفح نفسه إلى تلك القمة التي بلغوها!
فأما ذلك السفح الهابط الذي كان فيه العرب في جاهليتهم - وكانت فيه البشرية كلها - فهو يتمثل واضحا في قولة: «الملأ» من قريش: «يا محمد، رضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا؟
أنحن نكون تبعا لهؤلاء؟ اطردهم عنك! فلعلك إن طردتهم أن نتبعك!» .. أو في احتقار الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، للسابقين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلال، وصهيب، وعمار، وخباب، وأمثالهم من الضعفاء وقولهما للنبي - صلى الله عليه وسلم -:إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا العرب به فضلنا فإن وفود العرب تأتيك، فنستحيي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد!» ....
هنا تتبدى الجاهلية بوجهها الكالح! وقيمها الهزيلة، واعتباراتها الصغيرة .. عصبية النسب والجنس واعتبارات المال والطبقة .. وما إلى ذلك من اعتبارات. هؤلاء بعضهم ليسوا من العرب! وبعضهم ليسوا من طبقة الأشراف! وبعضهم ليسوا من ذوي الثراء! .. ذات القيم التي تروج في كل جاهلية! والتي لا ترتفع عليها جاهليات الأرض اليوم في نعراتها القومية