كان الإسلام قد التقطهم من سفح الجاهلية في التصورات الاعتقادية حول ربوبية الأصنام، والملائكة، والجن، والكواكب، والأسلاف وسائر هذه الأساطير الساذجة والخرافات السخيفة لينقلهم إلى أفق التوحيد. إلى أفق الإيمان بإله واحد، قادر قاهر، رحيم ودود، سميع بصير، عليم خبير. عادل كامل. قريب مجيب. لا واسطة بينه وبين أحد والكل له عباد، والكل له عبيد .. ومن ثم حررهم من سلطان الكهانة، ومن سلطان الرياسة، يوم حررهم من سلطان الوهم والخرافة ..
وكان الإسلام قد التقطهم من سفح الجاهلية في الأوضاع الاجتماعية. من الفوارق الطبقية ومن العادات الزرية ومن الاستبداد الذي كان يزاوله كل من تهيأ له قدر من السلطان (لا كما هو سائد خطأ من أن الحياة العربية كانت تمثل الديمقراطية!).
«فقد كانت القدرة على الظلم قرينة بمعنى العزة والجاه في عرف السيد والمسود من أمراء الجزيرة من أقصاها في الجنوب إلى أقصاها في الشمال. وما كان الشاعر النجاشي إلا قادحا مبالغا في القدح حين استضعف مهجوه، لأن:
قبيلته لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل
«وما كان حجر بن الحارث إلا ملكا عربيا حين سام بني أسد أن يستعبدهم بالعصا، وتوسل إليه شاعرهم عبيد بن الأبرص حيث يقول: أنت المملك فيهم وهم العبيد إلى القيامة ذلوا لسوطك مثلما ذل الأشيقر ذو الخزامة «وكان عمر بن هند ملكا عربيا حين عود الناس أن يخاطبهم من وراء ستار وحين استكثر على سادة القبائل أن تأنف أمهاتهم من خدمته في داره.
«وكان النعمان بن المنذر ملكا عربيا حين بلغ به العسف أن يتخذ لنفسه يوما للرضى يغدق فيه النعم على كل قادم إليه خبط عشواء ويوما للغضب يقتل فيه كل طالع عليه من الصباح إلى المساء.
«وقد قيل عن عزة كليب وائل: إنه سمي بذلك لأنه كان يرمي الكليب حيث يعجبه الصيد، فلا يجسر أحد على الدنو من مكان يسمع فيه نباحه. وقيل: «لا حر بوادي عوف»