الأحكام التفصيلية جاءت لتبقى كما هي. والمبادئ الكلية جاءت لتكون هي الإطار الذي تنمو في داخله الحياة البشرية إلى آخر الزمان دون أن تخرج عليه، إلا أن تخرج من اطار الإيمان! والله الذي خلق «الإنسان» ويعلم من خلق هو الذي رضي له هذا الدين المحتوي على هذه الشريعة.
فلا يقول: إن شريعة الأمس ليست شريعة اليوم، إلا رجل يزعم لنفسه أنه أعلم من الله بحاجات الإنسان وبأطوار الإنسان! ويقف المؤمن ثانيا: أمام إتمام نعمة الله على المؤمنين، بإكمال هذا الدين وهي النعمة التامة الضخمة الهائلة.
النعمة التي تمثل مولد «الإنسان» في الحقيقة، كما تمثل نشأته واكتماله. «فالإنسان» لا وجود له قبل أن يعرف إلهه كما يعرفه هذا الدين له. وقبل أن يعرف الوجود الذي يعيش فيه كما يعرفه له هذا الدين. وقبل أن يعرف نفسه ودوره في هذا الوجود وكرامته على ربه، كما يعرف ذلك كله من دينه الذي رضيه له ربه.
و «الإنسان» لا وجود له قبل أن يتحرر من عبادة العبيد بعبادة الله وحده وقبل أن ينال المساواة الحقيقية بأن تكون شريعته من صنع الله وبسلطانه لا من صنع أحد ولا بسلطانه.
إن معرفة «الإنسان» بهذه الحقائق الكبرى كما صورها هذا الدين هي بدء مولد «الإنسان» .. إنه بدون هذه المعرفة على هذا المستوي يمكن أن يكون «حيوانا» أو أن يكون «مشروع إنسان» في طريقه إلى التكوين! ولكنه لا يكون «الإنسان» في أكمل صورة للإنسان، إلا بمعرفة هذه الحقائق الكبيرة كما صورها القرآن ..
والمسافة بعيدة بعيدة بين هذه الصورة، وسائر الصور التي اصطنعها البشر في كل زمان!
وإن تحقيق هذه الصورة في الحياة الإنسانية، لهو الذي يحقق «للإنسان» «إنسانيته» كاملة .. يحققها له وهو يخرجه بالتصور الاعتقادي، في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، من دائرة الحس الحيواني الذي لا يدرك إلا المحسوسات، إلى دائرة «التصور» الإنساني، الذي يدرك المحسوسات وما وراء المحسوسات.
عالم الشهادة وعالم الغيب .. عالم المادة وعالم ما وراء المادة .. وينقذه من ضيق الحس الحيواني المحدود! ويحققها له وهو يخرجه بتوحيد الله، من العبودية للعباد إلى العبودية لله