ومن ثم يجيء التبشير للمؤمنين، والإنذار للكافرين المستنكفين عن العبودية لله ويجيء إعلان عام للناس كالذي ختمت به الجولة الأولى مع اليهود، بأنه قد جاء للناس برهان من ربهم ونور مبين، فلا حجة ولا شبهة ولا معذرة للمتخلفين.
وتختم السورة بآية تحتوي بقية في أحكام المواريث في حالة الكلالة. وقد سبق في السورة حكم بعض الحالات. وهذه بقيتها .. وهي بقية من التنظيم الاجتماعي والاقتصادي الجديد الذي جاء الإسلام ليقيم على أساسه حياة الجماعة المسلمة ويحولها - كما قلنا في أول السورة - إلى أمة، لها طابع الأمة المتميزة ونظامها وخصائصها المستقلة. لتؤدي دورها الضخم في الحياة البشرية وفي المجتمع الإنساني. دور القيادة والوصاية والتقويم.
وهكذا يبدو - من استعراض السورة كلها، ثم استعراض هذا القطاع منها - أن التنظيم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، يسير مع التهذيب الخلقي، مع تصحيح العقيدة والتصور، مع خوض المعركة مع الأعداء المتربصين بالجماعة المسلمة، مع بيان ضخامة التبعة والدور الذي على هذه الجماعة أن تقوم به .. وأن القرآن - كتاب هذه الدعوة ودستور هذه الأمة - ينهض بهذا كله .. في صورة شاملة كاملة متوازنة دقيقة. صورة تجعل من الحتم على كل من يريد إعادة بناء هذه الأمة وإحياءها وبعثها، لتنهض من جديد بتبعاتها ودورها، أن يتخذ من هذا القرآن منهجا لدعوته، ومنهجا لحركته، ومنهجا لكل خطوة في طريق الإحياء والبعث وإعادة البناء .. والقرآن حاضر لأداء دوره الذي أداه أول مرة. وهو خطاب الله الباقي للنفس البشرية في كل أطوارها. لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد .. كما يقول عنه أعرف الناس به - صلى الله عليه وسلم - الذي جاهد به الكفار والمنافقين وأهل الكتاب المنحرفين وأقام به هذه الأمة المتفردة في تاريخ الناس أجمعين. (?).
- - - - - - - - - - - - -