إن القرآن - وهو ينشىء هذه الأمة وينشئها - وهو يخرجها إلى الوجود إخراجا. كما قال الله تعالى في التعبير القرآني الدقيق: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران:110] ..
إن القرآن وهو ينشىء هذه الأمة من حيث لم تكن وينشئها لتصبح أمة فريدة في تاريخ البشر: «خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» .. ويجب أن نؤكد هذه الحقيقة ونوضحها قبل المضي في الحديث: حقيقة إنشاء القرآن لهذه الأمة وتنشئتها معا .. فقد كانت - على التحقيق - إنشاء وتنشئة، كانت ميلادا جديدا للأمة بل ميلادا جديدا «للإنسان» في صورة جديدة! ولم تكن مرحلة في طريق النشأة ولا خطوة في سبيل التطور، ولا حتى وثبة من وثبات النهضة! إنما كانت - على وجه التحديد - «نشأة»! و «ميلادا» للأمة العربية وللإنسان كله! وحين ننظر إلى الشعر الجاهلي - والنتف الأخرى من المأثورات الجاهلية - وهو ديوان العرب، الذي تضمن أعلى وأخلد ما كان للعرب من نظرة للحياة والوجود، والكون والإنسان والخلق والسلوك كما تضمن معالم حياتهم، ومكنون مشاعرهم، ومجموع تصوراتهم ولباب ثقافتهم وحضارتهم وكينونتهم كلها بالاختصار ..
حين ننظر إلى مجموعة الثقافات والتصورات والقيم التي يتضمنها هذا الديوان في ظل القرآن وما تضمنه من نظرة للوجود والحياة، وللكون والإنسان ومن قيم في الحياة الإنسانية ومن نظام للمجتمع ومن تصور لغاية الوجود الإنساني. ومن تنظيم واقعي يقوم على أساس هذا التصور .. ثم ننظر إلى واقع العرب قبل الإسلام وبعده .. في ظل تلك التصورات الجاهلية التي تتمثل في ديوانها. ثم في ظل هذه التصورات القرآنية التي تمثل المنهج الرباني ..
حين ننظر إلى الديوان المأثور والحياة الواقعية .. في ظل القرآن وواقع الحياة الإسلامية: يتبين لنا على وجه التأكيد والتحديد .. أنها كانت نشأة ولم تكن خطوة ولا مرحلة ولا وثبة! كانت «إخراجا» من صنع الله كتعبير القرآن الدقيق .. وكانت أعجب نشأة وأغرب