التَّوْحِيدِ، وَالابْتِعَادِ عَنِ الشِّرْكِ، وَمِنَ التَّبْشِيرِ بِمُحَمَّدٍ وَشَرِيعَتِهِ، وَيَتَّهَدَّدُهُمْ، إنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، بِأنَّ اللهَ قَدْ يُعَاقِبُهُمْ بِطَمْسِ وُجُوهِهِمْ، فَلا يَبْقَى لَهُمْ سَمْعاً وَلاَ بَصَراً وَلاَ أَنْفاً، وَيَجْعَلُ وُجُوهَهُمْ إلى جِهَةِ ظُهُورِهِمْ، فَيَمْشُونَ القَهْقَرَى إلى الوَرَاءِ، أوْ يَلْعَنُهُمْ كَمَا لَعَنَ الذِينَ اعْتَدُوا فِي السَّبْتِ، بِالاحْتِيالِ فِي صَيْدِ الأَسْمَاكِ، وَقََدْ مَسَخَهُمُ اللهُ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ.
وَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى مَفْعُولٌ لاَ يُخَالَفُ وَلاَ يُمَانَعُ، وَهُوَ وَاقِعٌ لاَ مَحَالَةَ فَاحْذَرُوهُ.
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى العِبَادَ بِأَنَّهُ لاَ يَغْفِرُ لِعَبْدٍ جَاءَ اللهُ مُشْرِكاً بِعِبَادَتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَنَّهُ يَغْفِرُ مَا دُونَ الشِّرْكِ مِنَ الذُّنُوبِ، لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ ارْتَكَبَ ذَنْباً عَظِيماً، لاَ يَسْتَحِقُّ مَعَهُ الغُفْرَانَ.
وَالشِّرْكُ ضَرْبَانِ:
- شِرْكٌ فِي الأُلُوهِيَّةِ - وَهُوَ الشُّعُورُ بِسْلَطَةٍ وَرَاءَ الأسْبَابِ وَالسُّنَنِ الكَوْنِيَّةِ لِغَيْرِ اللهِ.
- شِرْكٌ فِي الرّبُوبِيَّةِ - وَهُوَ الأَخْذُ بِشَيءٍ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ عَنْ بَعْضِ البَشَرِ دُونَ الوَحْي. نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي اليَهُودِ وَالنَّصَارَى حِينَ قََالُوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأحِبَّاؤُهُ، وَحِينَ قَالُوا: لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أوْ نَصَارَى.
(وَقِيلَ إنَّها نَزَلَتْ فِي ذَمِّ مَدْحِ النَّفْسِ، وَتَزْكِيَةِ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِصُورَةٍ عَامَّةٍ).
فَقَالَ تَعَالَى: ألاَ تَعْجَبُ، يَا مُحَمَّدُ، مِنْ هَؤُلاءِ الكَافِرِينَ الذِينَ نُبَيِّنُ لَهُمْ سُوءَ عَمَلِهِمْ، فَيَرَوْنَهُ حَسَناً، وَيُثْنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مُزَكِّينَ إيَّاهَا، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ المَرْجِعْ فِي تَقْدِيرِ أَفْعَالِ العِبَادِ، لأنَّهُ العَالَمُ بِحَقَائِقِ الأمُورِ وَغَوامِضِهَا، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا يَكْتُمُهُ النَّاسُ وَمَا يُعْلِنُونَهُ، وَهُوَ لاَ يَتْرُكُ لأحَدٍ شَيئاً مِنَ العَمَلِ، وَلَوُ كَانَ مِقْدَارَ الفَتِيلِ فِي شِقِّ نَوَاةِ التَّمْرَةِ، إلاَّ وَيَحْتَسِبُهُ لَهُ.
انْظُرْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ يَفْتَرِي هَؤُلاءِ الكَذِبَ عَلَى اللهِ، فِي تَزْكِيَّةِ أَنْفُسِهِمْ، وَادِّعَائِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَأَنَّهُمْ لَنْ تَمَسَّهُمُ النَّارُ إلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ، وَكَفَى بِهَذَا الذِي يَقُولُونَهُ وَيَفْعَلُونَهُ كَذِباً ظَاهِراً.
جَاءَ بَعْضُ رُؤَسَاءِ اليَهُودِ إلَى قُرَيْشٍ فَسَألْتَهُمْ قُرَيْشٍ: أَهُمْ، وَمَا هُمْ عَلَيهِ مِنَ الكُفْرِ وَعِبَادَةِ الأَصْنَامِ، خَيْرٌ أَمْ مُحَمَّدٌ وَمَا هُوَ عَلَيهِ مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ؟ فَقَالَ اليَهُودُ: بَلْ قُرَيْشٌ أهْدَى