البهيج. فلم تعد في حاجة إلى نشوة الخمر، تحلق بها في خيالات كاذبة وسمادير! وهي ترف بالإيمان المشع إلى الملأ الأعلى الوضيء ..
وتعيش بقرب الله ونوره وجلاله .. وتذوق طعم هذا القرب، فتمج طعم الخمر ونشوتها وترفض خمارها وصداعها وتستقذر لوثتها وخمودها في النهاية! إنه استنقذ الفطرة من ركام الجاهلية وفتحها بمفتاحها، الذي لا تفتح بغيره وتمشى في حناياها وأوصالها وفي مسالكها ودروبها .. ينشر النور، والحياة، والنظافة، والطهر، واليقظة، والهمة، والاندفاع للخير الكبير والعمل الكبير، والخلافة في الأرض، على أصولها، التي قررها العليم الخبير، وعلى عهد الله وشرطه، وعلى هدى ونور ..
إن الخمر - كالميسر. كبقية الملاهي. كالجنون بما يسمونه «الألعاب الرياضية» والإسراف في الاهتمام بمشاهدها .. كالجنون بالسرعة .. كالجنون بالسينما .. كالجنون «بالمودات» «والتقاليع» .. كالجنون بمصارعة الثيران .. كالجنون ببقية التفاهات التي تغشى حياة القطعان البشرية في الجاهلية الحديثة اليوم، جاهلية الحضارة الصناعية! إن هذه كلها ليست إلا تعبيرا عن الخواء الروحي .. من الإيمان أولا .. ومن الاهتمامات الكبيرة التي تستنفد الطاقة ثانيا .. وليست إلا إعلانا عن إفلاس هذه الحضارة في إشباع الطاقات الفطرية بطريقة سوية .. ذلك الخواء وهذا الإفلاس هما اللذان يقودان إلى الخمر والميسر لملء الفراغ، كما يقودان إلى كل أنواع الجنون التي ذكرنا .. وهما بذاتهما اللذان يقودان إلى «الجنون» المعروف، وإلى المرض النفسي والعصبي .. وإلى الشذوذ ..
إنها لم تكن كلمات .. هي التي حققت تلك المعجزة الفريدة .. إنما كان منهج. منهج هذه الكلمات متنه وأصله. منهج من صنع رب الناس. لا من صنع الناس! وهذا هو الفارق الأصيل بينه وبين كل ما يتخذه البشر من مناهج، لا تؤدي إلى كثير! إنه ليست المسألة أن يقال كلام! فالكلام كثير. وقد يكتب فلان من الفلاسفة. أو فلان من الشعراء.
أو فلان من المفكرين. أو فلان من السلاطين! قد يكتب كلاما منمقا جميلا يبدو أنه يؤلف منهجا، أو مذهبا، أو فلسفة .. إلخ .. ولكن ضمائر الناس تتلقاه، بلا سلطان. لأنه «ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ»! فمصدر الكلمة هو الذي يمنحها السلطان .. وذلك فوق ما في