وهذا مفرق الطريق، يقف الله الناس عليه. وهم بعد ذلك بالخيار! ثم يسألهم سؤال استنكار لابتغائهم حكم الجاهلية وسؤال تقرير لأفضلية حكم الله. «وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ؟» ..
وأجل! فمن أحسن من الله حكما؟
ومن ذا الذي يجرؤ على ادعاء أنه يشرع للناس، ويحكم فيهم، خيرا مما يشرع الله لهم ويحكم فيهم؟
وأية حجة يملك أن يسوقها بين يدي هذا الادعاء العريض؟
أيستطيع أن يقول: إنه أعلم بالناس من خالق الناس؟ أيستطيع أن يقول: إنه أرحم بالناس من رب الناس؟ أيستطيع أن يقول: إنه أعرف بمصالح الناس من إله الناس؟ أيستطيع أن يقول: إن الله - سبحانه - وهو يشرع شريعته الأخيرة، ويرسل رسوله الأخير ويجعل رسوله خاتم النبيين، ويجعل رسالته خاتمة الرسالات، ويجعل شريعته شريعة الأبد .. كان - سبحانه - يجهل أن أحوالا ستطرأ، وأن حاجات ستستجد، وأن ملابسات ستقع فلم يحسب حسابها في شريعته لأنها كانت خافية عليه، حتى انكشفت للناس في آخر الزمان؟!
ما الذي يستطيع أن يقوله من ينحِّي شريعة الله عن حكم الحياة، ويستبدل بها شريعة الجاهلية، وحكم الجاهلية ويجعل هواه هو أو هوى شعب من الشعوب، أو هوى جيل من أجيال البشر، فوق حكم الله، وفوق شريعة الله؟
ما الذي يستطيع أن يقوله .. وبخاصة إذا كان يدعي أنه من المسلمين؟! الظروف؟ الملابسات؟ عدم رغبة الناس؟ الخوف من الأعداء؟ .. ألم يكن هذا كله في علم الله وهو يأمر المسلمين أن يقيموا بينهم شريعته، وأن يسيروا على منهجه، وألا يفتنوا عن بعض ما أنزله؟
قصور شريعة الله عن استيعاب الحاجات الطارئة، والأوضاع المتجددة، والأحوال المتغلبة؟ ألم يكن ذلك في علم الله وهو يشدد هذا التشديد، ويحذر هذا التحذير؟