وهذا هو الفرق في علاج النفس البشرية، وفي علاج المجتمع الإنساني .. بين منهج الله، ومناهج الجاهلية قديما وحديثا على السواء! ولكي ندرك تغلغل هذه الظاهرة في المجتمع الجاهلي، يجب أن نعود إلى الشعر الجاهلي حيث نجد «الخمر» عنصرا أساسيا من عناصر المادة الأدبية كما أنه عنصر أساسي من عناصر الحياة كلها.
لقد بلغ من شيوع تجارة الخمر، أن أصبحت كلمة التجارة، مرادفة لبيع الخمر .. يقول لبيد:
قد بت سامرها وغاية تاجر وافيت إذ رفعت وعز مدامها
ويقول عمرو بن قميئة:
إذ أسحب الريط والمروط إلى أدني تجاري وأنفض اللمما
ووصف مجالس الشراب، والمفاخرة بها تزحم الشعر الجاهلي، وتطبعه طابعا ظاهرا.
يقول امرؤ القيس:
وأصبحت ودعت الصبا غير أنني أراقب خلّات من العيش أربعا
فمنهن قولي للندامى: ترفقوا يداجون نشاجا من الخمر مترعا
ومنهن ركض الخيل ترجم بالقنا يبادرن سربا آمنا أن يفزّعا
إلخ ويقول طرفة بن العبد:
فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى وجدك لم أحفل متى قام عوّدي
فمنهن سبقي العاذلات بشربة كميت متى ما تعل بالماء تزبد
وما زال تشرابي الخمور ولذتي وبذلي وإنفاقي طريفي وتالدي
إلى أن تحامتني العشيرة كلها وأفردت إفراد البعير المعبد
ويقول الأعشى:
فقد أشرب الراح قد تعلمين يوم المقام ويوم الظعن
وأشرب بالريف حتى يقال قد طال بالريف ما قد دجن
ويقول المنخل اليشكري:
ولقد شربت من المدا مة بالصغير وبالكبير