ومفهوم أن كل أمر أو نهي أو توجيه ورد في القرآن الكريم، كان يواجه حالة واقعة في المجتمع الجاهلي، وكان يتوخى إما إنشاء حالة غير قائمة، وإما إبطال حالة قائمة .. وذلك دون إخلال بالقاعدة الأصولية العامة: «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب» .. ومع ملاحظة أن النصوص القرآنية جاءت لتعمل في كل جيل وفي كل بيئة كما أسلفنا. وفي هذا تمكن المعجزة. فهذه النصوص التي جاءت لتواجه أحوالا بعينها، هي ذاتها التي تواجه الجماعة الإنسانية، في أي طور من أطوارها. والمنهج الذي التقط المجموعة المسلمة من سفح الجاهلية، هو ذاته الذي يلتقط أية مجموعة - أيا كان موقفها على الدرج الصاعد - ثم يبلغ بها إلى القمة السامقة، التي بلغ إليها بالمجموعة الأولى، يوم التقطها من ذلك السفح السحيق! ومن ثم فنحن حين نقرأ القرآن نستطيع أن نتبين منه ملامح المجتمع الجاهلي، من خلال أوامره ونواهيه وتوجيهاته كما نستطيع أن نتبين الملامح الجديدة التي يريد أن ينشئها، وأن يثبتها في المجتمع الجديد ..
فماذا نحن واجدون - في هذه السورة - من ملامح المجتمع الجاهلي التي ظلت راسبة في الجماعة المسلمة، منذ أن التقطها المنهج الرباني من سفح الجاهلية؟ وماذا نحن واجدون من الملامح الجديدة التي يراد إنشاؤها في المجتمع الإسلامي الجديد وتثبيتها! إننا نجد مجتمعا تؤكل فيه حقوق الأيتام - وبخاصة اليتمات - في حجور الأهل والأولياء والأوصياء، ويستبدل الخبيث منها بالطيب، ويعمل فيها بالإسراف والطمع، خيفة أن يكبر اليتامى فيستردوها! وتحبس فيه الصغيرات من ذوات المال، ليتخذهن الأولياء زوجات، طمعا في مالهن لا رغبة فيهن! أو يعطين لأطفال الأولياء للغرض ذاته! ونجد مجتمعا يجار فيه على الصغار والضعاف والنساء فلا يسلم لهم فيه بنصيبهم الحقيقي من الميراث. إنما يستأثر فيه بمعظم التركة الرجال الأقوياء، القادرون على حمل السلاح ولا ينال الضعاف فيه إلا الفتات.
وهذا الفتات الذي تناله اليتيمات الصغيرات والنسوة الكبيرات، هو الذي يحتجزن من أجله، ويحبسن على الأطفال من الذكور أو على الشيوخ من الأولياء. كي لا يخرج المال بعيدا ولا يذهب في الغرباء! ونجد مجتمعا يضع المرأة موضعا غير كريم، ويعاملها بالعسف