(حوشكاشا) للتّتار بعد ما كان وزيرا للخلفاء، واكتسب إثم من قتل ببغداد من الرّجال والنّساء والأطفال، فالحكم لله العليّ الكبير، ربّ الأرض والسّماء.
وقد جرى على بني إسرائيل ببيت المقدس قريب ممّا جرى على أهل بغداد كما قصّ الله تعالى علينا ذلك في كتابه العزيز، حيث يقول: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً* فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا (الإسراء/ 4 - 5) الآيات. وقد قتل من بني إسرائيل خلق من الصّلحاء وأسر جماعة من أولاد الأنبياء، وخرّب بيت المقدس بعدما كان معمورا بالعبّاد والزّهّاد والأحبار والأنبياء، فصار خاويا على عروشه واهي البناء.
وقد اختلف النّاس في كمّيّة من قتل ببغداد من المسلمين في هذه الوقعة، فقيل ثمانمائة ألف، وقيل ألف ألف وثمانمائة ألف، وقيل بلغت القتلى ألفي ألف نفس، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.
وكان دخولهم إلى بغداد في أواخر المحرّم، وما زال السّيف يقتل أهلها أربعين يوما، وكان قتل الخليفة المستعصم بالله أمير المؤمنين يوم الأربعاء، رابع عشر صفر وعفّي قبره، وكان عمره يومئذ ستّا وأربعين سنة وأربعة أشهر، ومدّة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأيّام، وقتل معه ولده الأكبر أبو العبّاس أحمد، وله خمس وعشرون سنة، ثمّ قتل ولده الأوسط أبو الفضل عبد الرّحمن وله ثلاث وعشرون سنة، وأسر ولده الأصغر مبارك، وأسرت أخواته الثّلاث: فاطمة وخديجة ومريم، وأسر من دار الخلافة من الأبكار ما يقارب ألف بكر فيما قيل، والله أعلم، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وقتل أستاذ دار الخلافة الشّيخ محيي الدّين يوسف ابن الشّيخ أبي الفرج ابن الجوزيّ، وكان عدوّ الوزير، وقتل أولاده الثّلاثة: عبد الله، وعبد الرّحمن، وعبد الكريم، وأكابر الدّولة واحدا بعد واحد، منهم الدّيودار الصّغير مجاهد الدّين أيبك، وشهاب الدّين سليمان شاه، وجماعة من أمراء السّنّة وأكابر البلد. وكان الرّجل يستدعى به من دار الخلافة من بني العبّاس فيخرج بأولاده ونسائه فيذهب به إلى مقبرة الخلال، تجاه المنظرة فيذبح كما تذبح