ورسوله، واتبعوا الشهوات، وانغمسوا في الفجور والطغيان، فلا محالة أن يسير نظام الحياة بقضه وقضيضه على البغي والعدوان والفحشاء، ويدب دبيب الفساد والفوضى في الأفكار والنظريات والعلوم والآداب والسياسة والمدنية والثقافة والعمران والأخلاق والمعاملات والعدالة والقانون برمتها، وتنمو السيئات ويستفحل أمرها ... »
والظاهر أن أول ما يطالب به دين الله عباده، أن يدخلوا في عبودية الحق كافة مخلصين له الطاعة والانقياد، حتى لا يبقى في أعناقهم قلادة من قلائد العبودية لغير الله تعالى. ثم يتطلب منهم ألا يكون لحياتهم قانون إلا ما أنزله الله تعالى، وجاء به الرسول الأمي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ثم إن الإسلام يطالبهم أن يتعدم من الأرض الفساد، وتستأصل شأفة السيئات والمنكرات الجالبة على العباد غضب الله تعالى وسخطه.
وهذه الغايات السامية لا يمكن أن يتحقق منها شيء ما دامت قيادة أبناء البشر وتسيير شؤونهم في الأرض بأيدي أئمة الكفر والضلال ولا يكون من أمر أتباع الدين الحق وأنصاره إلا أن يستسلموا لأمر هؤلاء وينقادوا لجبروتهم، يذكرون الله قابعين في زواياهم، منقطعين عن الدنيا وشؤونها، مغتنمين ما يتصدق به هؤلاء الجبابرة عليهم من المسامحات والضمانات! ومن هنا يظهر ما للإمامة الصالحة وإقامة نظام الحق من أهمية خطيرة تجعلها من غايات الدين وأسسه. والحق أن الإنسان لا يمكنه أن يبلغ رضى الله تعالى بأي عمل من أعماله إذا تناسى هذه الفريضة وتقاعس عن القيام بها .. ألم تروا ما جاء في الكتاب والسنة من ذكر الجماعة ولزومها والسمع والطاعة، حتى إن الإنسان ليستوجب القتل إذا خرج من الجماعة - ولو قيد شعرة - وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم. وهل لذلك من سبب سوى أن غرض الدين الحقيقي وهدفه إنما هو إقامة نظام الحق، والإمامة الراشدة وتوطيد دعائمه في الأرض. وكل ذلك يتوقف تحققه على القوة الجماعية، والذي يضعضع القوة الجماعية ويفت في عضدها، يجني على الإسلام وأهله جناية لا يمكن جبرها وتلافيها بالصلاة ولا بالإقرار بكلمة التوحيد .. ثم انظروا إلى ما كسب «الجهاد» من المنزلة العالية والمكانة الرفيعة في الدين، حتى إن القرآن ليحكم «بالنفاق» على الذين ينكلون عنه ويثاقلون إلى الأرض. ذلك أن «الجهاد» هو السعي المتواصل والكفاح المستمر