وَنَهَاهُمْ شُعَيبٌ عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ (الصِّرَاطِ)،وَعَنْ تَوَعُّدِ النَّاسِ بِالقَتْلِ وَالإِيذَاءِ إَذَا لَمْ يُعْطُوهُمْ مَا مَعَهُمْ مِنْ مَالٍ وَمَتَاعٍ، كَمَا نَهَاهُمْ عَنِ التَّعَدِّي عَلَى المُؤْمِنِينَ الذِينَ اتَّبَعُوا شُعَيباً، وَعَنِ التَّصَدِّي لِلنَّاسِ الذِينَ كَانُوا يَأْتُونَ إلى شُعَيبٍ لِلاسْتِمَاعِ مِنْهُ إلى مَا يَدْعُو إِلَيْهِ النَّاسُ مِنْ أَمْرِ رَبِّهِ، لِصَرْفِهِمْ عَنْهُ بِالتَّخْوِيفِ وَالإِيذَاءِ، وَبِالقَوْلِ: عَنْهُ كَذَّابٌ يُرِيدُ فِتْنَةَ النَّاسِ، ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبلاً مِنْ قِلَّةٍ فَكَثَّرَهُمُ اللهُ، وَذِلَّةٍ فَأَعَزَّهُمُ اللهُ، وَذلِكَ لِيَتَّعِظُوا وَيَرْتَدِعُوا عَمَّا يَقُومُونَ بِهِ مِنْ فَسَادٍ. ثُمَّ لَفَتَ نَظَرَهُمْ إلَى النِّهَايَةِ التِي صَارَ إِلَيْهَا المُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ مِنْ خِزْيٍّ وَدَمَارٍ.

وَيُتَابِعُ شُعَيْبٌ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، نُصْحَ قَوْمِهِ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّكُمْ إِنِ اخْتَلَفْتُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَآمَنَ فَرِيقٌ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ، وَدَعَوْتُكُمْ إِلَيهِ، وَكَفَرَ فَرِيقٌ بِمَا أَرْسَلَنِي بِهِ إِلَيْكُمْ رَبِّي، فَلا تَتَعَجَّلُوا الحُكْمَ عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَانْتَظِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ، بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، وَيَفْصِلَ فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ خَيْرُ مَنْ يُحْكُمُ، وَأَعْدَلُ مَنْ يَقْضِي، وَلا شَكَّ فِي أَنَّهُ سَيَجْعَلَ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ، وَسَيَجْعَلَ الدَّمَارَ عَلَى الكَافِرِينَ، لأنَّهُ سُنَّتَهُ تَعَالَى قَدْ جَرَتْ بِذَلِكَ، فَلْيَعْتَبِرِ الكَافِرُونَ بِعَاقِبَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ، مِنَ الكُفَّارِ المُكَذِّبِينَ.

تَوَعَّدَ المُسْتَكْبِرُونَ مِنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ نَبِيَّهُمْ شُعَيْباً، وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ قَرْيَتِهِمْ إذَا لَمْ يَقْبَلُوا الرُّجُوعَ عَنْ دِينِهِمِ الحَقِّ إلى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ وَمِلَّةِ الشِّرِكِ، فَقَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ: أَتَأْمُرُونَنَا بِأَنْ نَعُودَ إلَى مِلَّتِكُمْ، وَتُهَدِّدُونَنَا بِالنَّفْيِ مِنْ أَوْطَانِنَا، وَالإِخْراجِ مِنْ دِيَارِنَا، إِنْ لَمْ نَفْعَلْ مَا تَطْلُبُونَهُ مِنَّا؟ أَتُرْيدُونَ إِجْبَارَنا عَلَى الخُرُوجِ مِنْ دِيَارِنَا، وَعَلَى العَوْدَةِ إلَى دِينِكُمْ حَتَّى وَلَوُ كُنَّا كَارِهِينَ لِكِلا الأَمْرَيْنِ؟

وَقَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ: إِنَّهُ وَالمُؤْمِنِينَ مَعَهُ إذَا عَادُوا إلَى مِلَّةِ الكُفْرِ، فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ قَدِ افْتَرُوا عَلَى اللهِ أَعْظَمَ الافْتِرَاءِ، لأنَّهُمْ يَكُونُونَ قَدْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءً وَأَنْدَاداً وَلا يَلِيقُ بِالمُؤْمِنِ، وَلاَ يَخْلُقُ بِهِ (وَمَا يَكُونُ لَنَا)،أَنْ يَعُودَ إلَى مِلَّةِ الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْجَاهُ اللهُ مِنْهَا، إلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ لَهُ ذلِكَ، فَإِنَّهُ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ أَمْراً فَعَلَهُ، وَلاَ رَادَّ لِحُكْمِهِ، وَلاَ مُعْتَرِضَ عَلَى قَضَائِهِ، وَقَدْ أَحَاطَ اللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْماً، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى لاَ يَرْضَى الكُفْرَ لِعِبَادِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015