قال تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:139] ..
وَخَصَّصُوا نَتَاجَ البَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ لِذُكُورِهِمْ، وَحَرَّمُوهُ عَلَى إِنَاثِهِمْ، فَلاَ تَشْرَبُ الإِنَاثَ مِنْ لَبَنِ هَذِهِ الأَنْعَامِ، وَإذَا وَلَدَتْ ذَكَراً كَانَ لَحْمُهُ مُخَصَّصاً لِلْذُكُورِ دُونَ الإِنَاثِ، أَمَّا إِذَا وَلَدَتْ أُنْثَى فَتُتْرَكُ لِلنِّتَاجِ. وَإِذَا وَلَدَتْ مَوُلُوداً مَيِّتاً اشْتَرَكَ فِي أَكْلِهِ الذُّكُورُ وَالإِنَاثُ.
وَسَيَجْزِيهِمِ اللهُ تُعُالَى عَلَى قَوْلِهِم الكَذِبَ فِي ذَلِكَ، إِذِ ادَّعُوا أَنَّ هَذَا التَّحْرِيمَ قَدْ أَمَرَهُمْ بِهِ اللهُ تَعَالَى (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) إنَّهُ تَعَالَى حَكِيمٌ فِي أَفْعَالِهِ وَشَرْعِهِ، عَلِيمٌ بِأَعْمَالِ العِبَادِ. (?)
لقد استطردوا في أوهام التصورات والتصرفات، النابعة من انحرافات الشرك والوثنية، ومن ترك أمر التحليل والتحريم للرجال مع الادعاء بأن ما يشرعه الرجال هو الذي شرعه الله. استطردوا في هذه الأوهام فقالوا عن الأجنة التي في بطون بعض الأنعام - ولعلها تلك المسماة البحيرة والسائبة والوصيلة - إنها خالصة للذكور منهم حين تنتج، محرمة على الإناث، إلا أن تكون ميتة فيشارك فيها الإناث الذكور .. هكذا بلا سبب ولا دليل ولا تعليل، إلا أهواء الرجال التي يصوغون منها دينا غامضا ملتبسا في الأفهام.
ويعقب السياق القرآني تعقيب التهديد لمن صاغوا هذه الشرائع وكذبوا على الله فوصفوها بأنها من شرع الله: «سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ» .. «إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ» ..
يعلم حقائق الأحوال، ويتصرف فيها بحكمة، لا كما يتصرف هؤلاء المشركون الجهال.
وإن الإنسان ليعجب، وهو يستعرض مع السياق القرآني هذه الضلالات، وما تحمله أصحابها من أعباء وخسائر وتضحيات .. يعجب لتكاليف الانحراف عن شرع الله ونهجه، تلك التي يتحملها المنحرفون عن صراط الله المستقيم. ولأثقال الخرافة والغموض والوهم التي يتبعها الضالون. ولأغلال العقيدة الفاسدة في المجتمع والضمير .. نعم يعجب للعقيدة المنحرفة تكلف الناس حتى فلذات أكبادهم، فوق ما تكلفهم من تعقيد الحياة