إنه ميلاد جديد للإنسان على يد الإسلام .. ميلاد للإنسان المتحرر من العبودية للعباد، بالعبودية لرب العباد .. ومن ثم لم تقم في تاريخ الإسلام «كنيسة» تستذل رقاب الناس، بوصفها الممثلة لابن الله، أو للأقنوم المتمم للأقانيم الإلهية المستمدة لسلطانها من سلطان الابن أو سلطان الأقنوم. ولم تقم كذلك في تاريخ الإسلام سلطة مقدسة تحكم «بالحق الإلهي» زاعمة أن حقها في الحكم والتشريع مستمد من قرابتها أو تفويضها من الله!

وقد ظلّ «الحق المقدس» للكنيسة والبابوات في جانب وللأباطرة الذين زعموا لأنفسهم حقا مقدسا كحق الكنيسة في جانب .. ظل هذا الحق أو ذاك قائما في أوربا باسم (الابن) أو مركب الأقانيم. حتى جاء «الصليبيون» إلى أرض الإسلام مغيرين. فلما ارتدوا أخذوا معهم من أرض الإسلام بذرة الثورة على «الحق المقدس» وكانت فيما بعد ثورات «مارتن لوثر» و «كالفن» و «زنجلي» المسماة بحركة الإصلاح .. على أساس من تأثير الإسلام، ووضوح التصور الإسلامي، ونفي القداسة عن بني الإنسان ونفي التفويض في السلطان .. لأنه ليست هنالك إلا ألوهية وعبودية في عقيدة الإسلام .. (?)

وهنا يقول القرآن كلمة الفصل في ألوهية المسيح وبنوته وألوهية روح القدس (أحد الأقانيم) وفي كل أسطورة عن بنوة أحد لله، أو ألوهية أحد مع الله، في أي شكل من الأشكال .. يقول القرآن كلمة الفصل بتقريره أن عيسى بن مريم عبد لله وأنه لن يستنكف أن يكون عبدا لله. وأن الملائكة المقربين عبيد لله وأنهم لن يستنكفوا أن يكونوا عبيدا لله. وأن جميع خلائقه ستحشر إليه. وأن الذين يستنكفون عن صفة العبودية ينتظرهم العذاب الأليم. وأن الذين يقرون بهذه العبودية لهم الثواب العظيم: «لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ - وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ - وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً، وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً».

طور بواسطة نورين ميديا © 2015