لقد كانوا يدركون قيمة النقلة البعيدة التي نقلها لهم هذا الدين، من وهدة الجاهلية التي كانوا فيها .. وإنها لنقلة بعيدة بالقياس إلى الجاهلية في كل زمان ومكان (?) ..
بما فيها جاهلية القرن العشرين (?).
إن النقلة الأساسية التي تتمثل في هذا الدين هي إعتاق رقاب العباد من العبودية للعباد وتحريرهم من هذه العبودية، وتعبيدهم لله وحده، وإقامة حياتهم كلها على أساس هذا الانطلاق الذي يرفع تصوراتهم، ويرفع قيمهم، ويرفع أخلاقهم. ويرفع حياتهم كلها من العبودية إلى الحرية ..
ثم تجيء الأرزاق المادية والتيسيرات المادية، والتمكين المادي، تبعا لهذا التحرر وهذا الانطلاق. كما حدث في تاريخ العصبة المسلمة، وهي تكتسح الجاهليات حولها، وتهيمن على مقاليد السلطان في الأرض، وتقود البشرية إلى الله، لتستمتع معها بفضل الله ..
والذين يركزون على القيم المادية، وعلى الإنتاج المادي، ويغفلون تلك القيمة الكبرى الأساسية، هم أعداء البشرية الذين لا يريدون لها أن ترتفع على مستوى الحيوان وعلى مطالب الحيوان.
وهم لا يطلقونها دعوة بريئة ولكنهم يهدفون من ورائها إلى القضاء على القيم الإيمانية، وعلى العقيدة التي تعلق قلوب الناس بما هو أرفع من مطالب الحيوان - دون أن تغفل ضروراتهم الأساسية - وتجعل لهم مطالب أساسية أخرى إلى جوار الطعام والمسكن والجنس التي يعيش في حدودها الحيوان! وهذا الصياح المستمر بتضخيم القيم المادية، والإنتاج المادي، بحيث يطغى الانشغال به على حياة الناس وتفكيرهم وتصوراتهم كلها .. وبحيث يتحول الناس إلى آلات تلهث وراء هذه القيمة، وتعدها قيمة الحياة الكبرى وتنسى في عاصفة الصياح المستمر .. الإنتاج .. الإنتاج .. كل القيم الروحية والأخلاقية وتدوس هذه القيم كلها في سبيل الإنتاج المادي .. هذا الصياح ليس بريئا إنما هو خطة مدبرة لإقامة أصنام تعبد بدل أصنام الجاهلية الأولى وتكون لها السيادة العليا على القيم