إنَّ هذا الدين منهج حركي، لا يفقهه إلا من يتحرك به فالذين يخرجون للجهاد به هم أولى الناس بفقهه بما يتكشف لهم من أسراره ومعانيه وبما يتجلى لهم من آياته وتطبيقاته العمليةفي أثناء الحركة به. أما الذين يقعدون فهم الذين يحتاجون أن يتلقوا ممن تحركوا، لأنهم لم يشاهدوا ما شاهد الذين خرجوا ولا فقهوا فقههم ولا وصلوا من أسرار هذا الدين إلى ما وصل إليه المتحركون وبخاصة إذا كان الخروج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخروج بصفة عامة أدنى إلى الفهم والتفقه.
ولعل هذا عكس ما يتبادر إلى الذهن، من أن المتخلفين عن الغزو والجهاد والحركة، هم الذين يتفرغون للتفقه في الدين! ولكن هذا وهم، لا يتفق مع طبيعة هذا الدين .. إن الحركة هي قوام هذا الدين ومن ثم لا يفقهه إلا الذين يتحركون به، ويجاهدون لتقريره في واقع الناس، وتغليبه على الجاهلية، بالحركة العملية.
والتجارب تجزم بأن الذين لا يندمجون في الحركة بهذا الدين لا يفقهونه مهما تفرغوا لدراسته في الكتب - دراسة باردة! - وأن اللمحات الكاشفة في هذا الدين إنما تتجلى للمتحركين به حركة جهادية لتقريره في حياة الناس ولا تتجلى للمستغرقين في الكتب العاكفين على الأوراق! إن فقه هذا الدين لا ينبثق إلا في أرض الحركة. ولا يؤخذ عن فقيه قاعد حيث تجب الحركة. والذين يعكفون على الكتب والأوراق في هذا الزمان لكي يستنبطوا منها أحكاما فقهية «يجددون» بها الفقه الإسلامي أو «يطورونه» - كما يقول المستشرقون من الصليبيين! - وهم بعيدون عن الحركة التي تستهدف تحرير الناس من العبودية للعباد، وردهم إلى العبودية لله وحده، بتحكيم شريعة الله وحدها وطرد شرائع الطواغيت ..
هؤلاء لا يفقهون طبيعة هذا الدين ومن ثم لا يحسنون صياغة فقه هذا الدين! إن الفقه الإسلامي وليد الحركة الإسلامية .. فقد وجد الدين أولا ثم وجد الفقه. وليس العكس هو الصحيح .. وجدت الدينونة لله وحده، ووجد المجتمع الذي قرر أن تكون الدينونة فيه لله