ما الذي فات المؤمن الذي يسلم لله نفسه وماله ويستعيض الجنة؟ والله ما فاته شيء. فالنفس إلى موت، والمال إلى فوت. سواء أنفقهما صاحبهما في سبيل الله أم في سبيل سواه! والجنة كسب. كسب بلا مقابل في حقيقة الأمر ولا بضاعة! فالمقابل زائل في هذا الطريق أو ذاك! ودع عنك رفعة الإنسان وهو يعيش لله. ينتصر - إذا انتصر - لإعلاء كلمته، وتقرير دينه، وتحرير عباده من العبودية المذلة لسواه. ويستشهد - إذا استشهد - في سبيله، ليؤدي لدينه شهادة بأنه خير عنده من الحياة.

ويستشعر في كل حركة وفي كل خطوة - أنه أقوى من قيود الأرض وأنه أرفع من ثقلة الأرض، والإيمان ينتصر فيه على الألم، والعقيدة تنتصر فيه على الحياة.

إن هذا وحده كسب. كسب بتحقيق إنسانية الإنسان التي لا تتأكد كما تتأكد بانطلاقه من أوهاق الضرورة وانتصار الإيمان فيه على الألم، وانتصار العقيدة فيه على الحياة .. فإذا أضيفت إلى ذلك كله .. الجنة .. فهو بيع يدعو إلى الاستبشار وهو فوز لا ريب فيه ولا جدال: «فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ».

ثم نقف وقفة قصيرة أمام قوله تعالى في هذه الآية: «وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ» ..

فوعد الله للمجاهدين في سبيله في القرآن معروف مشهور مؤكد مكرور .. وهو لا يدع مجالا للشك في أصالة عنصر الجهاد في سبيل الله في طبيعة هذا المنهج الرباني باعتبار هـ الوسيلة المكافئة للواقع البشري - لا في زمان بعينه ولا في مكان بعينه - ما دام أن الجاهلية لا تتمثل في نظرية تقابل بنظرية ولكنها تتمثل في تجمع عضوي حركي، يحمي نفسه بالقوة المادية ويقاوم دين الله وكل تجمع إسلامي على أساسه بالقوة المادية كذلك ويحول دون الناس والاستماع لإعلان الإسلام العام بألوهية الله وحده للعباد، وتحرير «الإنسان» في «الأرض» من العبودية للعباد. كما يحول دونهم ودون الانضمام العضوي إلى التجمع الإسلامي المتحرر من عبادة الطاغوت بعبوديته لله وحده دون العباد .. ومن ثم يتحتم على الإسلام في انطلاقه في «الأرض» لتحقيق إعلانه العام بتحرير «الإنسان» أن يصطدم بالقوة المادية التي تحمي التجمعات الجاهلية والتي تحاول بدورها - في حتمية لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015