بالألوهية والاعتراف له وحده بالعبودية .. وإلا فهو خروج عن العبادة لأنه خروج عن العبودية. أي خروج عن غاية الوجود الإنساني كما أرادها اللّه. أي خروج عن دين اللّه!
«وأنواع النشاط التي أطلق عليها الفقهاء اسم «العبادات» وخصوها بهذه الصفة - على غير مفهوم التصور الإسلامي - حين تراجع في مواضعها في القرآن، تتبين حقيقة بارزة لا يمكن إغفالها. وهي أنها لم تجىء مفردة ولا معزولة عن أنواع النشاط الأخرى التي أطلق عليها الفقهاء اسم «المعاملات» .. إنما جاءت هذه وتلك مرتبطة في السياق القرآني، ومرتبطة في المنهج التوجيهي. باعتبار هذه كتلك شطرا من منهج «العبادة» التي هي غاية الوجود الإنساني، وتحقيقا لمعنى العبودية، ومعنى إفراد اللّه - سبحانه - بالألوهية.
«إن ذلك التقسيم - مع مرور الزمن - جعل بعض الناس يفهمون أنهم يملكون أن يكونوا «مسلمين» إذا هم أدوا نشاط «العبادات» - وفق أحكام الإسلام - بينما هم يزاولون كل نشاط «المعاملات» وفق منهج آخر .. لا يتلقونه من اللّه ولكن من إله آخر .. ! هو الذي يشرع لهم في شؤون الحياة ما لم يأذن به اللّه! «وهذا وهم كبير. فالإسلام وحدة لا تنفصم. وكل من يفصمه إلى شطرين - على هذا النحو - فإنما يخرج من هذه الوحدة، أو بتعبير آخر: يخرج من هذا الدين.
«وهذه هي الحقيقة الكبيرة التي يجب أن يلقي باله إليها كل مسلم يريد أن يحقق إسلامه ويريد في الوقت ذاته أن يحقق غاية وجوده الإنساني» (?).
فالآن نضيف إلى هذه الفقرات ما قلناه من قبل في هذا الجزء من أن العربي الذي خوطب بهذا القرآن أول مرة لم يكن يحصر مدلول هذا اللفظ وهو يؤمر به في مجرد أداء الشعائر التعبدية .. بل إنه يوم خوطب به أول مرة في مكة لم تكن قد فرضت بعد شعائر تعبدية! إنما كان يفهم منه عند ما يخاطب به أن المطلوب منه هو «الدينونة» للّه وحده في أمره كله، وخلع الدينونة لغير اللّه من عنقه في أمره كله. ولقد فسر رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - «العبادة» نصا بأنها «الاتباع» وليست هي الشعائر التعبدية، وهو يقول لعدي ابن حاتم عن اليهود والنصارى، واتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا: «بلى. إنهم أحلوا