الرسل - صلوات اللّه وسلامه عليهم - وما استحقت كل هذه العذابات والآلام التي تعرض لها الدعاة والمؤمنون على مدار الزمان! إنما الذي استحق كل هذا الثمن الباهظ هو إخراج البشر جملة من الدينونة للعباد. وردهم إلى الدينونة للّه وحده في كل أمر وفي كل شأن وفي منهج حياتهم كله للدنيا والآخرة سواء.
إن توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد القوامة، وتوحيد الحاكمية، وتوحيد مصدر الشريعة، وتوحيد منهج الحياة، وتوحيد الجهة التي يدين لها الناس الدينونة الشاملة ... إن هذا التوحيد هو الذي يستحق أن يرسل من أجله كل هؤلاء الرسل، وأن تبذل في سبيله كل هذه الجهود وأن تحتمل لتحقيقه كل هذه العذابات والآلام على مدار الزمان .. لا لأن اللّه سبحانه في حاجة إليه، فاللّه سبحانه غني عن العالمين.
ولكن لأن حياة البشر لا تصلح ولا تستقيم ولا ترتفع ولا تصبح حياة لائقة «بالإنسان» إلا بهذا التوحيد الذي لا حد لتأثيره في الحياة البشرية في كل جانب من جوانبها (?).
إن الأمر في هذا الدين - الإسلام - بل في دين اللّه كله منذ أن أرسل رسله للناس منذ فجر التاريخ .. إن الأمر في دين اللّه كله هو: لمن الألوهية في هذه الأرض؟ ولمن الربوبية على هؤلاء الناس؟
وعلى الإجابة عن هذا السؤال في صيغتيه هاتين، يترتب كل شيء في أمر هذا الدين. وكل شيء في أمر الناس أجمعين! لمن الألوهية؟ ولمن الربوبية؟
للّه وحده - بلا شريك من خلقه - فهو الإيمان إذن، وهو الإسلام، وهو الدين. لشركاء من خلقه معه، أو لشركاء من خلقه دونه، فهو الشرك إذن أو الكفر المبين.
فأما إن تكن الألوهية والربوبية للّه وحده، فهي الدينونة من العباد للّه وحده. وهي العبودية من الناس للّه وحده. وهي الطاعة من البشر للّه وحده، وهي الاتباع لمنهج اللّه وحده بلا شريك .. فاللّه وحده هو الذي يختار للناس منهج حياتهم. واللّه وحده هو الذي يسن للناس شرائعهم. واللّه وحده هو الذي يضع للناس موازينهم وقيمهم وأوضاع حياتهم وأنظمة مجتمعاتهم .. وليس لغيره - أفرادا أو جماعات - شيء من هذا الحق إلا بالارتكان إلى